رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثالث عشر 113 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثالث عشر 113 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثالث عشر 113 بقلم ياسمين عادل
انتشله من خِضم المشاعر التي كان يعيشها، ليفتح عيناه وسط هذه الظُلمة على صوت هاتفهِ الذي ضجّ بالرنين المتتالي. فتح "يونس" إضاءة الأباجورة المجاورة له، وما زالت زوجتهِ بين أحضانهِ، ثم زفر وهو يجيب على مكالمة شقيقهِ - والتي أتت في غير توقيتها المناسب - :
- أيوة يازفت.
وصمت هنيهه وهو يستمع لصوت أخيه الغير طبيعي، ثم انتصب في مجلسه فجأة مرددًا بحنقٍ بلغ حلقومهِ :
- هي وصلت للقسم!!.. خلاص أقفل أنا جايلك.
ترك الهاتف على الفراش، بينما كانت "ملك" تنظر نحوهِ بتساؤل مرتبك :
- حصل إيه يا يونس!!.
ذمّ "يونس" على شفتيهِ، قبل أن يجيبها :
- ضرب واحد في المنطقة بتاعت نغم والحوار وصل للقسم.. هروح أشوف في إيه.
نهض عن الفراش، ثم انحنى عليها يغطي عُريّ جسدها وهو يردف بـ :
- خليكي زي ماانتي متتحركيش، أنا مش هتأخر.
ضحكت وهي تتمسك بطرف الغطاء، متعقبة تحركهِ وهي تستعيد في ذهنها تفاصيل ما حدث بينهما منذ قليل، عضت على شفتها السفلى وهي تطبق جفونها، وغطت وجهها من فرط الخجل الذي انتابها، بينما أسرع هو بـ ارتداء ملابسه على عجلٍ، للحاق بـ "يزيد" الذي لم يتركهُ وشأنه بالآونة الأخيرة.
****************************************
بصعوبة بالغة، فضّ المجند التشابك القائم بينهما أمام الضابط النبطشي، حينما صاح الضابط فيهما :
- والله العظيم أنزلكم التخشيبة انتوا الجوز سوا.
ثم نظر صوب "سعيد" وتابع بنبرة تهديدية :
- وانت أدرى واحد بالتخشيبة ياسعيد، ولا نسيت!.
زجرهُ "يزيد" بنظراتٍ محتقرة، قبل أن يردف بـ :
- ده ضارب شريط برشام مطير دماغه منه، لو مكناش في القسم كنت عرفتك مقامك كويس.
فتدخل الضابط قائلًا :
- لولا إن معاكوا بت كان زماني محولكم على النيابة الصبح وتتبهدلوا كلكوا.
إلتفت "يزيد" ينظر نحو "نغم" - الواقفة بأحد الزوايا - بإغتياظ شديد، حيث شدد عليها لأكثر مرة بأن تترك موقع المشاجرة لكنها أصرت على ألا تتركه هناك بمفرده، خشية وقوع سوءٍ له. تشنجت عضلات جسدهِ شاعرًا بحرارة خانقة تنبعث منه، ورفع بصره نحو المدخل باللحظة التي حضر فيها "يونس"، فـ تأهب بوقفته وهو يتسائل :
- جيبت المحامي معاك؟.
منحه "يونس" نظرة قاتمة، ولم يُجب عليه. في أعقابه كان يسير المحامي خاصتهم، حتى وقف أمام الضابط النبطشي، وقال بدبلوماسية هادئة :
- مساء الخير يافندم، أنا يونس الجبالي.
وزع الضابط نظراتهِ على الشقيقين، وتأمل إبداع الخالق في التشابه الشديد بينهما - عدا بعض التفاصيل الصغيرة -، ثم عقّب قائلًا :
- ده انتوا توأم بقى!!.
*****************************************
سئم "يونس" السماع لشجارهم المتواصل والذي لم يتوقف حتى بعد الخروج من القسم. تأفف بإنزعاجٍ شديد وأذناه تستمع - إجبارًا - لثرثرتهم، فـ التفت يوزع نظراتهِ الساخطة عليهم، إنذاك كان "يزيد" يصرخ في وجهها قائلًا :
- لو سمعتي كلامي مكنش الموضوع وصل لهنا.
فـ منحتهُ نظرة حامية، وهي ترد صراخهِ بصراخٍ :
- كان المفروض أسيبك تخلص عليه وتروح في داهيه مش كده!.
- بـــــــس..
قالها "يونس" مرة واحدة بصوتٍ هادر، فـ التفت كلاهما إليه :
- ما خلاص خلصنا، هنفضل طول الليل في الحوار ده ولا إيه!.
أشار "يزيد" نحوها بغير إكتراث وهو يضيف :
- خدها معاك يا يونس، مش هتروح المنطقة الزبالة دي تاني.
فـ اعترضت على الفور مُبدية رفضها للقرار الذي اتخذه بدلًا عنها :
- مش هيحصل ، أنا مش هسيب بيتي!.
تبينت تعابير النقمة على وجهه وهو يردف بـ :
- بس ياماما صوتك ميطلعش، كفاية اللي عملتيه.
تدخل "يونس" ليؤثر على قرارها العنيد، ولكي ينهي تلك المأساة :
- مش هينفع تروحي هناك يانغم، أنا ما صدقت أخدت ملك من هناك، أنتي كمان لازم تسيبي المنطقة دي خالص.
لانت قليلًا أثناء توجيه حديثها لـ "يونس" :
- مش دلوقتي ، حاجه زي دي لازمها ترتيب من قبلها.
- ولا ترتيب ولا حاجه مش مستاهله، يوم واحد ننقل فيه حاجتك المهمة لشقة تانية أفضل وفي مكان أءمن.. لكن النهاردة خليكي مع ملك، هي مأكدة عليا أجيبك معايا.
لحظات من الصمت، أعقبتها بنظرة مستكشفة نحوه، كأنها تعاين تعابيره الممتعضة:
- طيب يا يونس.. هاجي معاك.
تمتم "يزيد" بكلمات مُبهمة، ثم هتف بـ :
- خدها يا يونس، خدها من قدامي دلوقتي.
وهمّ نحو مقدمة الطريق الرئيسي، شاعرًا بالحنق البالغ منها يقتحمهُ. راقبته بنظراتٍ تتأرجح ما بين الحزن والغضب، وغمغمت بتبرمٍ خافت :
- غـبي.
تطلع "يونس" إلى المحامِ بنظرات ممتنة، وصافحهُ بحرارة وهو يقول :
- شكرًا يامتر ، تعبتك معانا في ساعة زي دي.
- تحت أمركم ياباشا، المهم إنها حت سليمة.
فـ ضحك "يونس" متباهيًا، وأردف بـ :
- مش سليمة وبس، ده الواد لبس قضية تعاطي كمان غير المحضر بتاعنا.. أهو رزقه بقى.
ودعهُ المحامِ في الأخير :
- أشوفك في الشركة إن شاء الله.. سلامُ عليكوا.
استدار "يونس" نحو "نغم"، ليقرأ كل تلك التعابير الحزينة على وجهها، فـ ذمّ على شفتيه، وحاول تلطيف حدة الأجواء بينهما :
- أنا عارف إن يزيد صعب ومش أي حد يتحمله، بس اللي متأكد منه إنه بيحبك، يزيد معاكي بيكون أحسن يا نغم.
كأنها بارقة أملٍ أُضيئت في وجهها، وبزغت إبتسامة مفاجئة على محياها وهي تسمع لحقيقة گتلك منه ، وتسائلت بتلهفٍ :
- بجد ؟؟ انت شايف كده.
أومأ برأسه وهو يشير إليها نحو الطريق الذي سيسلكاه معًا وتابع حينئذٍ :
- أكيد، أنا حاسس بيه.
تفاجأ كلا منهما بتواجد "يزيد" بجوار سيارة شقيقهِ، وما أن لمحهم أشاح بوجهه بعيدًا، وأردف بصوتٍ تجلّى فيه الكبرياء :
- هاجي معاكوا، عربيتي مش معايا.
ابتسم "يونس" محاولًا التستر على ذلك، وفتح السيارة عبر جهاز التحكم :
- أركبوا.
فتح لها "يزيد" الباب الخلفي كي تستقر بالوراء، فـ تصنعت وكأنها على خصامٍ معه ولم تنظر نحوهِ، وما أن جلست صفق "يزيد" الباب وهو يردف بصوت خفيض :
- ربنا بعتلي معتوهه.
فـ صاح "يونس" محذرًا :
- بالراحة على العربية.
وجلس "يزيد" بجوار مقعد السائق، متعمدًا رسم تلك التعابير المتجهمة على وجهه طوال الطريق، بينما داخله.. يود لو يعانقها ويمتص عنها كل تلك المشاعر السلبية التي عايشتها بالساعات الماضية، ويمسح بيده على وجهها الحزين لتتفتح أزهاره من جديد؛ لكنه لم يفعل..
تعليقات
إرسال تعليق