رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الرابع والتسعون 94 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الرابع والتسعون 94 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الرابع والتسعون 94 بقلم ياسمين عادل
نحنُ نعلم، لكنّا أحيانًا نريد أن نسمع ما نعلم لنطمئن."
_________________________________________
كل ما تعيشهُ من تفاصيل -حلمت بها مسبقًا- لم تكن تصدق إنها تعيشها الآن. قلبها ينبض بإندفاعٍ شديد، تخشى أن تذوب تلك اللحظة من فرط إنصهارها، وتنتهي دون أن تشبع من لذّتها المنعشة لروحها اليابسة، والتي عانت لأشهرٍ طويلة مرارة الخذلان. فتحت "نغم" عيناها ونظرت إليه، كانت رأسهِ على فخذها، جالسان على الأرضية المفترشة ببساطٍ سميك، وتغطيهِ بمعطفهِ الثقيل. مرّ تقريبًا ساعة ونصف الساعة وهما بنفس الوضعية، "يزيد" غارقًا في النوم منذها، وكأن السكينة كانت ضالتهِ، ووجدها هنا فقط، بالقرب منها.
مسحت "نغم" على شعرهِ برقة شديدة لئلا تُزعجه، فـ أحست بقلبها يخفق خفقة عنيفة، زلزلت ثباتها الخائر. كلما تردد إعترافهِ على مسامعها، كلما زادت ربكتها وتسربت سخونة خجلة لوجهها، هـل حدث حقًا!؟.. هل اعترف بعدما يأست روحها من مجرد أمل صغير؟؟؛ ولكن بذرة صبرها أثمرت ثمارًا طال الإحتلام بها.
بالرغم من اندمال ساقيها بسبب وضعيتهما الثابتة لوقتٍ طويل، إلا إنها لم تتحرك كي لا يفيق من نومهِ، فـ ظلت تتأمل فيه بنظراتٍ عاشقة والهه، وابتسامتها العريضة التي تبرز نواجذها لا تفارق وجهها، الذي عاد إليه إشراقهِ بعد إنطفاء ظنت إنه لن يزول.
*****************************************
قذف "سعد" بعلبة سجائرهِ فتجاوزت الطاولة لتسقط أرضًا، وطرد الدخان من صدرهِ بإندفاع وهو يعاني غليان مشاعرهِ الحاقدة المتأججة. وزع نظراتهِ المستهجنة على أبيه وشقيقهِ، ثم أردف بإنفعالٍ شديد :
- أخدنا على قفانا بالقوي، إيه رأيك يابا!! كل ده كان كمين عشان تاخد مننا تعهد بعدم تعرض، شوفت الفـ ×××× عملت إيه فينا!!.
لم يكن "بهجت" أقل منه، بل إنه كان مشتطًا عن آخره، يبحث بين خبايا عقله عن الحل لتلك المعضلة التي وضعتهُ فيها إبنة أخيه، حتمًا هناك حلّ. قبض "بهجت" على عصاه بقوة مغتاظًا، وهتف قائلًا :
- شوفت ياسعد!.. الله يرحمك ياأخويا، سيبتلنا تِعبانة عايشة وسطنا، مش مكفيها الفضيحة والعار اللي جبته لينا، كمان عايزة تحبسنا الـ ××××××.
ثم التفتت عيناه نحو ولدهِ الأكبر وتابع :
- أنا عايزك تحضرلنا ورق بيع وشرا للأرض ياشريف، بنت الـ ××××× هتبيع الأرض دي يعني هتبيعها، مش هسيبها تاخد قيراط واحد من أرضنا أكمنها الوريثة الوحيدة لأخويا.
- جاهز ياحج، بس هنعمل كده إزاي! نغم مش هتبيع وإنت عارف.
فـ صاح "بهجت" بأعلى صوت لديه منفعلًا :
- هتبيع ورجليها فوق راسها، إن شالله يبقى تمن الأرض دي دمها.. خلاص معادتش بنت أخويا ولا تلزمني، لكن أرض أبويا مش هتنول منها شبر.
****************************************
أخيرًا فتح عيناه، ليلمح بطرفهِ المشوش خيوط الشمس التي أحتلت الصالة. لم يستطع عقلهِ إدراك ما حدث، وإذ بغمامة شديدة السواد تغلفه، ليتذكر فقط تلك المأساة الكارثية التي حدثت بالأمس. تنهد تنهيدة مؤرقة، وهو يتحرك على الأرضية متآوهًا، وقد أحس وكأن عضلاتهِ تكدست على بعضها البعض. أعتدل في جلستهِ وأبعد عنه المعطف، ونظر نظرة شاملة حوله ليكتشف إنه بمنزلها، فـ استعاد عقله تفاصيل الأمس القريب كاملة. تمكنت الأريحية من نفسهِ المتلهفة، وبحث بعيناه عنها هنا وهناك، حتى استمعت آذانهِ لصوت حركة ما في المطبخ، ثم بدأت الرائحة تتسلل لأنفهِ وتقترب أكثر فـ أكثر. خرجت "نغم" حاملة أطباق الطعام، وضعتها على المائدة القريبة دون النظر نحوه، معتقدة إنه ما زال نائمًا، ثم عادت تدخل من جديد لإحضار البقية، فـ نهض هو بعينان تتجولان على المائدة، إلى أن خرجت مرة أخرى، وشهقت بفزعٍ حين رؤيته بغتةٍ بدون سابق إنذار. تسارعت أنفاسها وهي تضع الطعام على المائدة لتقول :
- خضتني!.. أفتكرتك لسه نايم.
فأجفل بصرهِ المتعلق بها ليجيب :
- لسه صاحي.
إبتعد ليتناول معطفه، وبدأ في إرتداءهِ وهو يقول :
- أنا محستش بالوقت خالص.. أنا نمت أمتى؟
فأجابتهُ وإبتسامتها السعيدة تتراقص على وجهها :
- مجرد ما ارتاحت نمت.
لم يفهم فورًا ما قصدتهُ، وتجلّت إمارات التعجب المدهوشة على تعابيره، فـ أوضحت "نغم" أكثر :
- يعني بعد ما رميت اللي في قلبك كله وارتحت من الحمل ده.
ناولتهُ كوب من القهوة الساخنة خاصتها، والتي لا مثيل لها في منظورهِ، مع إبتسامة جميلة أسرت قلبهِ أكثر وهي تقول :
- قهوتك.
غرقت عيناه فيها، وانساقت أنفه وراء الرائحة الذكية في نفس الآن، فـ انتقلت أنظارهِ نحو يدها، والتقطهُ منها وهي يبتسم ممتنًا :
- تسلم إيدك.
وضعه على المائدة، ثم سحب لها مقعدًا لتجلس قبل أن يجلس هو. وما أن استقر كلاهما نظر بطرفهِ متسائلًا :
- هتيجي معايا الشركة؟.
أطلقت زفيرًا بطيئًا وهي تضع الطعام أمامه، ثم أردفت بصراحة مطلقة :
- أنا لسه في دوامة يايزيد، لحد دلوقتي محلتش مسألة عمي، أنا متأكدة إنه مش هيسكت.
ترك "يزيد" قهوتهِ تاركًا صوت الفنجان يصدح، وتماسك بصعوبة لئلا يفقد أعصابهِ المهزوزة بالفعل قائلًا :
- اللي عنده يعمله، إنتي خلاص مبقتيش لوحدك.. يوريني كده هيقرب منك إزاي!.
علقت تلك الكلمة السحرية في أذنها، گنغمةٍ رقيقة ترتكز في ذهنك لفتراتٍ طويلة، فـ لاحت إبتسامة سعيدة على ثغرها، وهي تسأله :
- أنا مبقتش لوحدي، صح؟.
حتى وإن كانت تعلم، ابتغت أن تسمع ذلك مجددًا، فلم يكن بخيلًا عليها وأغدق عليها بفيض مشاعرهِ، ممسكًا بكفها بين راحتيهِ الدافئتين:
- مش لوحدك، ومش هتكوني لوحدك تاني.. إنتي دلوقتي معايا وهتفضلي معايا على طول.
إحتاج بشدة أن تتواصل يدهِ مع ملمس بشرتها الناعمة، فـ مسح مسحة لطيفة على وجنتها، يتابع معها بصوتٍ غمرها بالدفء :
- أنا ما صدقت وصلنا لهنا.. ومش هضحي بيكي تاني.
ضغطت على يدهِ الملامسة لوجهها وهي تطبق جفونها بإطمئنانٍ شديد، وانخرطت مع أحاسيسها البريئة التي ظلت كامنة ببواطنها، حتى انتشلها من حالتها الهائمة تلك صوت رنين هاتفها. أفاقت فجأة متناسية كل ما حدث، ونظرت لهاتفها الموضوع في نهاية المائدة، حيث أمسك به "يزيد" ليناولها إياه، وقبيل ذلك نظر لهوية المتصل، ليتسائل بفضول بعدها :
- مين أونكل قاسم ده !؟.
تعليقات
إرسال تعليق