رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس 6 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس 6 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس 6 بقلم ياسمين عادل
ليست الحُـرية أن تفعلي ما تُريدين..
إنما الحُـرية ألا تفعلي ما لا تُريدين.
______________________________________________
خرج "يزيد" من الباب الرئيسي للشركة متعجلًا وهو يعبث في هاتفه غير منتبه لتلك التي صدمها دون قصد منها.. فـ انتبه ورفع رأسه يرميها بنظرة حامية، بينما حاولت هي التبرير بصوت متردد :
- آسفه يامستر يـ.....
فصاح بها لتنصرف :
- أتفضلي أمشي
فـ أوفضت للداخل بينما عاد هو ينظر لهاتفه قبيل أن يضعه على أذنه وهو يتمتم :
- مش بترد ليه ياعمي!!
لحقت به موظفة الإستقبال مسرعة لتبلغه بأمر ما.. فـ لحقت به قبيل أن يغادر من البوابة الرئيسية و :
- الحمد لله إني لحقت حضرتك، كنت عايزة أبلغك إني ملقتش طيارة لبرلين بكرة، أقرب طيارة هتكون بعد خمس أيام
فأشار للسائق خاصته و :
- امشي انت أنا اللي هسوق النهاردة
ثم التفت إليها و :
- أحجزي واحدة first class
- حاضر
أستقر بداخل سيارته وبدأ في قيادتها بنفسه، بينما راقبته الموظفة بنظرات والهة وهي تغمغم :
- لو أنا كنت مكانها مكنتش أسيبك وأروح لحد تاني أبدًا، هو انت اللي زيك يتساب!!
............................................................................
هبط "محمد" عن العقار القديم الذي يملكه والد "ملك"، كان يبحث عنها في المكان الأخير عسى أن يجدها بعدما اختفت لثلاث ليالٍ متتالية، ولكنها لم تكن موجودة.
نبتت ذقنه التي لم يتركها قط من فرط إهماله في أي شئ سوى البحث عنها، حتى إنه أقسم بقتلها إن رآها فقط بعد ما رآه من تمرد وعناد منها.
وفي لحظة توتره وغضبهِ أهتز هاتفه بيده، فنظر له أولًا ثم أجاب على المحامي الذي استشاره في الأمر لكي يتلقى الصدمة :
- أيوة ياأستاذ
اتسعت عيناه بحنق متفاجئًا و :
- جنحه وفيها ٦ شهور! ده ليه ده كله؟؟
تذكر تلك الليلة التي باتت بها في المشفى، وحديث الطبيبة الغامض حينما أعلمته بخطورة حالتها وإنها كادت تفقد حياتها أثر عنفهِ..
لقد أوقعت به في الفخّ حقًا، حتى هو لم يخطر بعقله إنها قد تستند لتقرير طبي موثق كي يُآزر موقفها القانوني.. كتم "محمد" امتعاضه و :
- ماشي ياأستاذ، هعدي عليك بعد ما اعملك التوكيل، سلام
نظر حوله گالمجنون وهي يتحدث بصوت خافت :
- ده لو طولتك هطلع روحك في إيدي! أنا تعملي فيا كده يابنت الـ ******
وكأنه لا يدري إلى أين يذهب وأين يبحث..
وفي وسط حالة التوهان التي كان بها كانت هي على بُعد أمتار منه.. لمحته من أقصى البعيد وهو يقف أمام العقار الذي كانت تقصده، أنقبض قلبها وارتعدت فرائصها.. ارتجفت وهي تواري نفسها بأحد الممرات المؤدية لأحد البيوت العتيقة، تكاد أنفاسها تنقطع من فرط الخوف..
وضعت يدها موضع قلبها، وبخفوت أردفت :
- يارب ما يشوفني، يارب أنقذني يارب
أشرأبت برأسها قليلًا لتنظر إليه، فلم يكن موجودًا.. نظرت حولها، ولكنه اختفى تمامًا، ازدردت ريقها وهي تنتظر لدقائق معدودة.. ثم راحت تركض بدون اكتراث حتى لمن ينظرون إليها.. المهم أن تختفي كما كانت، كي لا تعيش ما لن تقوَ عليه.
..............................................................................
- بنتك دي مشافتش رباية، لو كانت أتربت مكنتش عملت عملتها السودة.. وكمان رايحة ترفع عليا أنا قضية خلع! دي هربت منها على الآخر ولازم تستحمل اللي هتشوفه مني، ده انا مبيتلها "ناوي" على نية سودا زي عملتها
أجفل "إبراهيم" بحرج وكأنه يحمل العار على كاهليهِ، بدا هادئًا أكثر مما كان الأيام الماضية، مما جعل "محمد" يشتعل أكثر و :
- يعني ساكت ياعمي!
فـ زفر "إبراهيم" و :
- هقول إيه يابني! أنا خلاص ماعدش عندي بنت اسمها ملك.. انت جوزها ومسؤول عنها اعمل اللي انت شايفه
أومأ" محمد" برأسه وكأنه تحفز أكثر للأنقضاض عليها فور رؤيتها و :
- صح، الشيلة دي بتاعتي وانا اللي هتصرف فيها.. متجيش تسألني عن بنتك لما الاقيها ولا تقولي عملت فيها إيه!! عشان انا مش هخليها تشوف الشمس تاني، بس اشوف وشها
ونهض عن جلسته بـ اندفاع، خرج والشرر ينطلق من نظراته انطلاقًا.. فـ وقف "إبراهيم" عن جلسته وأخرج هاتفه ليتحدث به والقلق باديًا عليه :
- أيوة يانغم، يابنتي صارحيني أنا زي أبوكي.. جوزها لو لقاها قبلي هيموتها.. قوليلي الحقيقة لو عندك عشان ألحق أتصرف يابنتي
صمت قليلًا ثم تابع :
- ملك ملهاش حد غيري يانغم، وانتي صحبتها الوحيدة.. أنا متأكد إنك تعرفي ، الناس شافوها النهاردة نواحي البيت القديم وقالولي، عرفيني لو هي عندك عشان نلم الدنيا
وكأن ملامحه ارتخت قليلًا بعدما حصل على الجواب الذي سيرضيه.. ثم همّ ليخرج من متجره و :
- ربنا يريح بالك يابنتي، أنا جاي حالًا أوعي تسيبيها تنزل
............................................................................
مازالت "نغم" تحاول جاهدة أن تخفف عنها حالتها المرتعبة تلك بعدما عادت من الخارج ورأته.. أنفاسها لم تعد قادرة على موازنتها، والذعر الذي أصابها ما زال متمكنًا من حواسها حتى أطرافها الباردة.
ناولتها "نغم" كأس مياه مثلجة ومسحت على رأسها قائلة :
- أهدي ، أنا مش عارفه بس إيه اللي وداكي بيتكوا القديم!
تركت "ملك" نصف الكأس بعدما ارتشفت منتصفه وبررت لها :
- كنت هروح أوضب الشقة عشان أقعد فيها
جلست أمامها توبخها على تفكيرها و :
- أخس عليكي ياملك، ماانتي عارفه إني قاعدة لوحدي من بعد ما اختي اتجوزت.. عايزة تمشي من هنا ليه؟
وضعت يدها موضع قلبها وهي تترك أي حديث جانبًا، واهتمت بوصف حالتها التي لا تستطيع تجاوزها حتى الآن :
- لما شوفته حسيت نفسي اكتم وقلبي اتقبض، محمد بقى الكابوس اللي بيطاردني.. لو ما اتخلصتش منه حاسه إني....
قطعت حديثها في منتصفه وتآوهت وهي تردف :
- أنا ممكن انتحر أهون من عيشتي معاه مرة تانية
فزعت "نغم" من الفكرة المتهورة التي قادها عقلها لها و :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، استغفري ياملك انتي اتجننتي! تخسري أخرتك عشان محمد!!
أحست "نغم" بـ اقتراب اللحظة التي قد يأتي فيها "إبراهيم".. فـ قررت أن تصارحها كي لا تغضب منها، ترددت وبدا توترها جليًا وهي تردف بـ :
- آ.. ملك! باباكي تعبان أوي ودور عليكي كتير.. كلمني و آ... يعني ...
قاطعتها "ملك" وقد استشفت ما يقف على حافة لسانها وتعجز عن النطق به :
- أنتي قولتيله إني عندك؟
فـ أجفلت "نغم" و :
- الصراحة آه ، صوته كان...
- ليه كده يانغم!!!
قالتها وهي تهبّ واقفة، وتابعت :
- بابا هيضغط عليا أكتر وهيقف في صف محمد زي عادته، مش هينصفني أبدًا
استمعت لصوت طرقات على الباب، فـ ارتبكت أكثر وأسرعت للداخل وأوصدت الباب عليها بينما راحت "نغم" تفتح الباب وداخلها الندم مما أقدمت عليه.. وما أن رأت "إبراهيم" بوجهه الشاحب حتى قالت بـ استجداء :
- أرجوك ياعمو، أرجوك متغصبش عليها ترجع لجوزها ده.. ملك ممكن تنتحر ولا تعمل في نفسها حاجه
فـ سأل بقلق :
- هي فين يابنتي؟
- في أوضة ماما الله يرحمها جوا
- طب عن أذنك
سارت من خلفه وهي نتابع توسلاتها :
- ياعمي لازم تسمعها وتحس باللي هي فيه
طرق "إبراهيم" على باب الغرفة وهو يردف :
- أفتحي ياملك، خلينا نتكلم يابنتي.. اللي بتعمليه ده أكبر غلط.. جوزك قالب الدنيا عليكي
فأجابت ونشيجها ممزوج بـ أنآت بكائها الهيستيري :
- مش هرجعله ، ولو غصبت عليا هرمي نفسي من الشباك
أحس بضرورة مطاوعتها هذه المرة كي لا يخسرها في لحظة انهيارها.. فـ تنازل عن تعنتهِ و :
- بلاش ترجعي، بلاش.. بس لازم نحلها من غير فضايح
هدأت قليلًا، فـ تابع "إبراهيم" :
- هعملك اللي عايزاه، بس نقعد نتكلم ونحل الموضوع.. يلا افتحي يابنتي، مش قادر أقف على رجلي أنا جاي على هنا جري
فـ فتحت له على الفور عقب عبارته الأخيرة، وما أن رآها حتى خطفها بين أحضانه يُطمئن قلبهِ بـ قُربها بعد غياب طال ليالي وهو لا يعلم شيئًا عنها.. تركت دموعها تنساب بصمت وهي تتشبث به، فـ انسحبت "نغم" من جوارهم كي تترك لهم بعض الخصوصية.. بينما أردف "إبراهيم" بنبرة صادقة :
- حرام عليكي ياملك، كنتي هتموتيني من الخوف عليكي
ابتعدت عنه وقالت وهي مطرقة رأسها :
- مكنش ينفع أقولك مكاني وانا شيفاك بتسيبني لوحدي كل مرة ألجألك فيها
استمعا لصوت صخب بالخارج و" نغم" تحاول تصد أحدهم وهي تصيح :
- مش من حقك ندخل بيتي بالشكل ده، انت رايح فين؟؟
لحظات وكان "محمد" يظهر أمامهم والشر يتقافز في عينيه، حملقت "ملك" وهي ترمق والدها بعتابٍ بعدما ظنت إنه خدعها.. فـ هزّ "إبراهيم" رأسه بالسلب، في حين كان "محمد" يتأهل للإنقضاض عليها و :
- عيب على شيبتك ياعمي، يعني عارف من الأول الـ ××××× اللي فضحتني في كل حتة
وقف "إبراهيم" بينهم و :
- أنت إيه اللي جابك هنا يامحمد؟!
فـ ابتسم ساخرًا وهو ينظر له بـ استهجان و :
- وعامل فيها بتدور عليها وقلقان وانت عارف هي فين!! بقى بتقرطسني مع بنتك!!
وأشار إليها و :
- بنتك اللي راحت رفعت قضية عليا وعايزة تحبسني ، وكمان عايزة تخلعني وتخلي سيرتي على كل لسان.. ده انا هدفنها حية قبل ما تعملها
وبسط ذراعه كي يطولها ولكن "إبراهيم" مثّل حائلًا ليمنعه و :
- أهدا يامحمد، طالما مش عارفين تعيشوا مع بعض بالمعروف فارقوا بالمعروف
- بعد إيه؟؟ بعد ما عملتلي فضيحة
وقفت "نغم" بجوار صديقتها تحاول دعمها، بينما كانت "ملك" تخشى أن يتراجع والدها عن دعمها في أول مرة بحياتها، وخرجت عن صمتها ذلك و :
- انت اللي اضطرتني لكده، أنا طلبت منك الطلاق وكان جزائي الحبسة والضرب.. طالما مش هتطلقني بالمعروف، يبقى القانون هو اللي يطلقني منك ويجيبلي حقي
فصاح فيها بينما كان "إبراهيم" يمسك به بصعوبة بالغة :
- كتك كسر حُقك، انتي ليكي عين تفتحي بؤقك.. انا بس لو اطولك هربيكي صح
فـ صاح فيه "إبراهيم" وهو يدفعه :
- يابني بس بقى، أنا مش قادر على الفرهده دي
فـ تشجعت "ملك" وهي تسرد عليه ما تنوى فعله :
- بكرة لما نقف قدام النيابة وتحكم بتحويل القضية وتتحبس انت اللي هتتربى، وكمان هخلعك.. مش كده بس، أنا هخلي سيرتك على كل لسان بعد كل اللي عملته فيا
طال ذراعها أخيرًا واعتصره حينما كانت "نغم" تحاول تخليصها منه بصعوبة :
- هقتلك ياملك.. هـقتلك
تخلصت من قبضته اللعينة وصرخت فيه :
- مش مـهم ، على الأقل هكون اتخلصت مـنك للأبد
فـ تدخل "إبراهيم" لحلّ هذا الوضع من جذورهِ و :
- لو طلقتها هتتنازل عن القضية وعن الخلع، مش كده ياملك؟
ذُهلت "ملك" ، هي لم تفكر في ذلك.. هي فكرت في الإنتقام منه وتخليص حقها وحق دموعها وآلامها منه، ولكن إن كانت حُريتها هي البديل للتخلص من تعاستها، ستوافق حتمًا.
صمتت لحظتين اثنين وسرعان ما أجابت مقتنصة تلك الفرصة الثمينة لمساومته :
- أيوة، ورقة طلاقي قدام قضية الخلع وقضية العنف
رمقها بنظرة غامضة، وكأنه يُقلّب الفكرة في ذهنهِ قليلًا.. ابتعد خطوات للخلف والجميع ينتظر أن يُجيب، حتى أفاض بـ :
- هطلقك عشان مش انا الراجل اللي يقبل يتخلع، وملكيش عندي أي حقوق ولا طلبات
فـ أسرعت قائلة :
- مش عايزة حاجه ، حتى باقي هدومي مش عايزاها
- انتي طـالـق
قالها ببرودة لم تصدقها قطّ، وأتبع حديثه بـ :
- ورقتك هتوصلك وتاني يوم تروحي تتنازلي
التفت موليها ظهره و :
- وإلا هتندمي
وكأن صدرها الذي كان گكتلة من حميم أصبح باردًا رطبًا.. تساقطت عليه قطرات من ندى، لم تصدق إنها الآن حُرة، هل يعقل أن الأمر انتهى هنا.. كيف؟ وكيف ستنسى ذلك العذاب الذي عاشت في بؤرته.. لا تدري، لم تحس بالسعادة رغم ذلك وكأن فرحتها لم تكتمل بعد.
خرج "محمد" من الشُقة وصفق الباب، ترجل على الدرج وهو يتمتم :
- هتدفعي التمن غالي أوي ياملك، أوي.. أفرحيلك
تعليقات
إرسال تعليق