رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الحادي والستون 61 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الحادي والستون 61 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الحادي والستون 61 بقلم ياسمين عادل
يدًا تحتضن، وقلبًا يحتوي.. و سأكتفي بذلك ما حييّت."
___________________________________________
وكأن الغيظ إنسان يضرب في كُل أنحاءهِ بالداخل والخارج، يتطلع إليها من بين حينٍ وآخر بنظراتٍ محتقنة بالغيظ أثناء قيادة السيارة، وفي النهاية لم يتحمل صمت أكثر من ذلك وأردف بنبرة ممتعضة :
- من ساعة ما ركبتي مخلصة إزازتين ميا ودي التالته
وتابع بـ استهجان :
- أنتي بتودي الميا دي كلها فين!! فاتحة برميل في بطنك؟!
فـ حدجتهُ مستنكرة فظاظتهِ معها و :
- إيه الأسلوب ده! وبعدين هي دي بطني ولا بطنك انت!! ما تسيبني براحتي
ونظرت أمامها وهي تُفسر معاناة معدتها التي تعج بـ لهيبٍ مُسعّر :
- معدتي مولعة مش قادرة اتحمل غير بالميا
فـ تلوت شفتيهِ بنزق وهو ينظر لـ كيس الطعام، وأردف بسخطٍ :
- عشان كده جيبتي باقي الأكل معاكي، مش كده!.. أنا مشوفتش في حياتي طفاسة بالشكل ده، يعني بطنك اتبهدلت ولسه برضو بتفكري في الأكل!
فـ ضربت على باب السيارة وقد فقدت لجام توازنها العصبي لـ تنفجر فيه متأثرة بـ آلامها الحارقة :
- وقف العربية، نــزلني
فـ رمقها من طرفهِ بفتور وبدأت عصبيتهِ تهدأ بعدما أفرغها بها :
- بس يابت، متصدعنيش
فـ حدقت فيه بعدما نعتها بـ تلك الكلمة و :
- بت!! أنت شايفني بنت أختك!
فـ ذمّ شفتيهِ وسخر منها قائلًا :
- شايفك حتة عيلة طايشة، مش فالحة غير تعمل قهوة.. أهدي بقى عشان شويه وهلوشك
وأوقف سيارتهِ على الجانب، ترجل منها وأغلق الباب عليها.. حاولت فتحه ولكنها فشلت، فـ نظر إليها بنظرةٍ عابثة وهو يراها تشتط غيظًا منه.. دخل لـ (الصيدلية) وغاب بالداخل دقيقتين، كانت تتأفف غير متحملة شعور الإحتراق الذي يُلهب صدرها، فـ فتحت زجاجة المياة وبدأت تشرب منها مرة أخرى.. وحينما رأته مُقبلًا أغلقت الزجاجة بـ عجلة قبيل أن يركب في مكانه من جديد، وناولها دواء ابتاعه من أجلها وهو يردف بـ :
- أشربي ده
نظرت بـ طرفها لما يمسك به، ثم أشاحت بوجهها عنه و :
- مش عايزة
كظم غيظهِ عنها بصعوبة شديدة لم يعتادها، فهو اعتاد التصريح عن غضبهِ على الفور وبدون تفكير، ولكنه اكتشف أن الأمر يكون مختلفًا معها.. أطبق جفونهِ هنيهه وقال بصوتٍ غالب عليهِ الإنزعاج :
- ليه عايزة تعصبيني ؟؟ صدقيني مفيش حد هيزعل لو اتعصبت غيرك
فـ اختطفت الدواء السريع الذي جلبهُ من أجلها من يده، وقامت بـ تعاطيهِ فورًا، حينما كان هو يعاود قيادة السيارة.. ليست راحة فورية؛ ولكنها بدأت تشعر بتأثير الدواء ومفعولهِ السريع في تهدئة معدتها وهذا جعلها ترتاح قليلًا.. لمحت من مسافة قريبة وجود منفذ لمشتقّات الطاقة (بنزينة)، فـ أشارت نحوه وهي تقول :
- ممكن تقف في البنزينة اللي جاية دي؟
فـ أردف بهدوءٍ مفرط :
- حد قالك إن العربية مش متمونة!
فـ زفرت وهي تلتفت برأسها نحوه و :
- عايزة أدخل الـ Toilet "دورة المياة"، ممكن؟؟
فـ سخر منها وقد اعتلى مبسمة ابتسامة مثيرة للإستفزاز :
- طبعًا لازم تحتاجي الـ Toilet بعد كل الميا دي !
انحدر نحو اليمين تدريجيًا، حينما كانت نظراتها المُتقدة موجهه نحوهِ، حتى توقفت السيارة ونظر إليها قائلًا :
- هتنزلي ولا هتتفرجي عليا كتير
فـ كتمت انفعالها وهي تقول :
- دي آخر مرة هركب معاك
وترجلت من السيارة ثم صفعت الباب مُعبرة عن انزعاجها منه، فـ غمغم هو متبرمًا :
- أما نشوف!
وما أن دخلت قام هو بـ إخفاء الطعام الذي تسبب لها في كل ذلك في خلفية السيارة وعاد يجلس بمكانهِ.. مسح على سترتهِ وظل بمكانهِ مستكينًا ببراءة شديدة ومصطنعة.
تأخرت، فـ نظر لساعة يدهِ بضجر منتظرًا عودتها.. ولكنها تأخرت عن المعتاد، فـ تأفف وهو يطرق بأصابعهِ على المقود وهتف بـ استنكار :
- هتقعد بقى نص ساعة جوا، فاكراه حمام بيتهم!!
رآها تخرج مسترخية للغاية وترتشف مشروب عصير من الفواكه.. حدق فيها وهي تقترب حتى فتحت الباب وجلست بجواره، مازالت عيناه المتسعة عالقة بها وهو يقول مذهولًا من شخصيتها التي لم يستطع حتى الآن تحديد كامل ملامحها :
- أنتي بتعملي إيه!! ده انتي كنتي بتموتي من شوية هو ده وقت عصاير!!
فـ أجابت بفتور بعدما ارتاحت بالكامل و :
- ده عصير بالفواكه عشان أغير طعم الفلفل من لساني!
فـ نظر نحو معدتها و :
- دي مش معدة دي سوبر ماركت!
وبدأ في قيادة السيارة مرة أخرى وقد اكتفى بكل ما حدث اليوم معها، حالة شاذة بالفعل.. أنثى لم ولن يرى مثيلتها، حتى عندما يغضب ويثور عليها وترتدي وجه الصلابة ذاك أمامهِ بينما داخلها هشٍ ضعيف، احتار في وصفها.. لا يوجد في الأساس ما يفي لهذا الوصف.
كان يتابعها مختلسًا وقد تغير حالها تمامًا بعدما دلفت لدورة المياة، وكأنها أفرغت كل ما كان في معدتها وجوفها، لذلك تظهر عليها الراحة ظهورًا بينًا.. ورغم إنه أحس بـ راحةٍ لراحتها، إلا إنه ما زال يحمل بعض الغيظ منها، ولا سيما بعد عودتها بتلك الحالة المسترخية.
.............................................................................
قنينة السُم نصب عينيهِ على سطح المكتب، ينظر إليها ولكن عقلهِ غائبًا لا يراها.. يفرك طرف ذقنهِ بأناملهِ وقد احتل التفكير مراكز عقلهِ بالكامل، بينما كان "عيسى" منشغلًا بالطريقة التي سيتم إبلاغ الجهات المختصة بها بدون التسبب في مشكلة لهم، لـ دخولهم منزل "غالية" بطرق احتيالية غير قانونية.. ولكنه لم يجد حتى الآن، فـ جلس قبالة "يونس" وأردف قائلًا :
- مش هينفع نبلغ بنفسنا، وطول ما احنا مش عارفين نقزل إن في دليل مش هنقدر نطلب تشريح الجثة من جديد!
نفخ "يونس" بـ انزعاج وهو يعتدل في جلستهِ، وسحب تلك القنينة لـ يُخفيها وهو يقول :
- مش هندخل القانون بينا، غالية هتطلع منها زي الشعر من العجين ومش هنكسب غير إننا فتحنا عيون المباحث على القاتل اللي هيلبس قضية قتلها
ارتفع حاجبي "عيسى" بدون أن يندهش من قرارهِ الصريح :
- هتقتلها؟
نهض "يونس" عن مكانه وهو يقول بجدية ناسبت تمامًا تعابير وجهه المتجمدة گالصخر :
- هي و رزقها بقى، ده القصاص ياعيسى.. مش كفاية إنها خدت مني مراتي وربنا جزاها فيها !، كمان عايزة روح أغلى حاجه عندي في الدنيا، أخـويا
وقدحت عيناه بـ شررًا مختنقة متابعًا :
- ده انا هدفنها حية في اللحظة اللي يزيد هيقول فيها آه
وتلاعب الذعر بـ رأسهِ ليتابع بتخوفٍ :
- ومتنساش ملك، لو انا وانت عارفين غالية كويس فـ احنا أكيد عارفين إنها ١٠٠ ٪ هتستغل ملك.. أنا بقى مش هستنى أعيش بوجع الناس اللي تخصني
لمع إسمها في الشاشة المنبثقة بهاتفهِ وهي تتصل به، فـ تلينّت ملامحهِ قليلًا وأجاب عليها :
- ألـو
صوتها الرنان أمتص جميع مشاعره السلبية وتفتحت الزهور في وجهه وهو يقول :
- أنا في الشركة، هكون عندك آخر النهار إن شاء الله
أشار "يونس" لـ "عيسى" كي يستبقهُ للخارج، وأعقبهُ هو بالخروج وما زال يتحدث إليها ولكن خفت صوتهِ وهو يقول :
- ملك في حاجه مهمة حصلت وعايز أقولك عليها
اضطرابًا خفيفًا اعترى "ملك" وهي تسأله بقلقٍ غلف صوتها :
- في إيه اللي حصل؟
فـ تحول صوتهِ وكأنهُ نغمة أطربت سمعها بكلمةٍ جعلت قلبها يخفق بشدة :
- وحـشتيني
حطتّ الفراشات على قلبها بدلًا من القلق، وتزينّ ثغرها بـ ابتسامة عريضة وهي تُبادلهُ اشتياقهِ :
- وانت كمان
فـ حبذّ سماع تلك الكلمة مباشرة من شفتيها :
- أنا كمان إيه ؟
فـ ضحكت بـ استحياء قائلة :
- أنت كمان وحشتني
- أسـتاذ يزيد!
أستوقفهُ أحدهم ليقطع عليه لحظتهِ العاطفية التي كان مندمجًا فيها، فـ أبعد الهاتف عن أذنهِ وهو يرمق ذلك الغريب بنظراتٍ متفحصة.. بينما استطرد "زُهدي" بعدما رأى أمارات التعجب على وجههِ :
- أنا زُهدي! ، مش فاكرني ولا إيه؟
فـ قطب "يونس" جبينهِ ولم يتعرف عليه :
- آسف مش واخد بالي!
فـ ابتسم "زُهدي" لكي يتجاوز تلك اللحظة المحرجة له و :
- إزاي إحنا لسه متكلمين امبارح! وكان في ميعاد النهاردة بينا!!
فـ تدخل "سيف" الذي لاحظ تعارفهم بمنتصف الطريق هكذا وأوضح سوء الفهم بدورهِ :
- آ.. أستاذ زُهدي، ده مستر يونس.. الأخ التوأم لمستر يزيد ورئيس مجلس الإدارة
فـ اتسعت عينا "زُهدي" بذهولٍ وهو يتأملهُ قليلًا و :
- بجد!! بس انا ملاحظتش خالص!
فـ أردف "يونس" معقبًا :
- مش للدرجادي! الفرق بينا ملحوظ خصوصًا في الجسم، يزيد أرفع مني
فـ أومأ "زُهدي" برأسهِ متفهمًا ، بينما استأذن "يونس" لإنهاء المكالمة التي بقيت عالقة في منتصفها :
- معايا تليفون ثواني وهخلصه
وابتعد قليلًا ليتحدث إليها من جديد :
- آسف ياحببتي مضطر أقفل
فـ تقبّلت عذرهِ فورًا وبصدر رحب :
- ماشي، بس كلمني تاني
- على طول
أغلق معها وعاد ينتقل بخطاه نحو "زُهدي" وهو يسأل بـ رسمية :
- حضرتك عايز يزيد في إيه؟
فـ أجاب "زُهدي" :
- بخصوص الإستثمارات اللي هتقوم بيها شركتنا معاكم
- آها، مستثمر يعني!.. تمام، هو يزيد للأسف مش موجود دلوقتي واحتمال يغيب كمان، ياريت نخلي السكرتارية تحددلك معاد تاني يكون متاح فيها
ثم اعتذر له بـ لباقة مهذبة :
- بعتذرلك نيابة عنه
فـ بدا "زُهدي" منزعجًا ولكنه لم يملك ردًا يوضح به ذلك أفضل من تجهم وجهه المفاجئ و :
- مفيش مشكلة
والتفت مُشيرًا لـ حارسهِ الشخصي الذي كان يقف في زاويةٍ ما، وانصرف بعدها.
كان "يونس" ذا نظرة مختلفة في هذا الرجل، لم يروق له على الأغلب، حتى إنه أمر "سيف" بـ :
- سيف، خلي السكرتارية تحدد معاد تاني وبلغني بيه.. خلينا نشوف زهير ده عايز أيه
فـ صحح له "سيف" :
- زُهدي مش زهير
فـ اكفهر وجه "يونس" و :
- الأسمين أسوأ من بعض ياسيف مش فارقه، أنا خارج دلوقتي ويزيد في الطريق أساسًا، بلغه باللي حصل
- حاضر
تحرك "يونس" للخروج محاولًا الإتصال بها مرة أخرى، ولكنه تفاجأ بوضع الإنتظار.. فـ أغلق المكالمة وتركها حتى تعود إليه، وجلس بالمقعد المجاور لـ "عيسى" في السيارة و :
- يلا ياعيسى، ربنا يتوب علينا من مشوار المزرعة ده ونستقر بقا، أنا حياتي بتضيع في السفر رايح جاي
تحركت السيارة به، في حين كانت الأعين كلها تقتنصهُ وتتربص به، راقب "زُهدي" انصرافهِ بنظراتٍ محتقنة وقد أزعجه بشدة تصرفهِ معه والإستخفاف به.. ألقى "زُهدي" صبابة سيجارتهِ من نافذة السيارة، ثم هتف بـ امتعاض :
- اللي اسمه يونس ده مش عاجبني!
............................................................................
قضمت "نغم" من التفاحة الصفراء خاصتها وهي تجلس على الأريكة أثناء تحدثها في الهاتف مع "ملك" التي كانت سعيدة جدًا.. سعيدة للغاية خاصةً بعد مكالمتها الثانية مع "يونس".
فـ ابتهجت "نغم" لأجلها، أخيرًا وجدت مُتكئًا وحُضن يحتويها، وجدت ما تستحق بعد عناء مُهلك طويل، سـ تنسى كل ما مضى وكأنه حُلم سئ ومرّ، بل إنها شرعت في النسيان بالفعل.
تمطقت "نغم" وهي تمضغ الطعام، وقالت حينئذٍ مُفسدة عليها اندماجها في اللحظة السعيدة :
- يونس إنسان جميل أوي وهيسعدك، أنا متأكدة
قطبت "ملك" جبينها وهي تسألها :
- أنتي بتاكلي ؟
فـ ابتلعت الأخيرة الطعام و :
- لأ مش أكل دي فاكهه
فـ عبست "ملك" و :
- نغم انتي فصلتيني، شوفي بحكيلك إيه وانتي بتعملي إيه!
فـ اعتذرت لها "نغم" عما بدر منها من فتورٍ لم تقصده بسبب انشغال فكرها بـ أمرٍ آخر :
- حقك عليا والله مقصدتش، بس مينفعش في التليفون كده لازم أشوفك ونكمل كلام، مش هتيجي هنا بقى!
فـ عرضت عليها "ملك" :
- ما تيجي هنا يانغم، بكرة الخميس وبعده الجمعة أجازة، تعالي قضي معايا اليوم وهخلي يونس يبعتك مع عيسى، إيه رأيك؟
فكرت "نغم" قليلًا في فكرتها ووجدت إنها بالفعل تحتاج لتغيير هذه الأجواء المحيطة بها.. فـ لم تتردد وقبلت عرضها على الفور مما سيتيح لها فرصة الإبتعاد عن هنا والإجتماع بـ صديقتها المُقربة :
- موافقة
- خلاص، هقفل معاكي عشان أكلم يونس وأعرفه، باي
- باي
أغلقت المكالمة وتركت الهاتف، نهضت وبدأت تُعد نفسها من أجل جلسة إستحمام تُرخي عضلاتها وكل ما في عقلها هو، هو فقط.. بكل ما حدث اليوم بينهم من مشاكسات لم تشعر بـ تأثيرها إلا بعدما افترقا، زفرت وهي تترك المنشفة الخاصة بها جانبًا، وغمغمت بـ :
- مش معقول يكونوا تؤام! ، بقى يونس العسل ده يبقى توأم الجبلة اللي بحبه!
ونفخت بـ انزعاج من نفسها ومن قلبها الذي ما زال يميل إليه رغمًا عنها :
- مفيش فايدة فيا وفي غبائي!
...............................…....................................…....
كان كل شئ على ما يرام، حتى إنها كانت مستعدة في الصباح لـ أن تُنهي دوامها في العمل ثم تنتقل فورًا مع "عيسى" مصطحبًا إياها إلى المزرعة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع "ملك".
ملابسها وأشيائها الخاصة وكل ما تحتاج إليه جمعتهُ في حقيبة سفر صغيرة اصطحبتها معها للشركة.. وأوفضت تصعد لمقرّ غرفتها بعدما علمت بـ وجود "يزيد" مبكرًا منذ أكثر من نصف الساعة.
دلفت لغرفتها وتركت الحقيبة جانبًا، وإذ بها ترى هذا الطرد الموجود على سطح مكتبها.. فـ شدهت قليلًا وهي تدنو من المكتب، فـ تسللت رائحة طعام قوية أنفها.. نزعت ورقة مطوية ملصقة على الطرد وقرأت محتواها بصوتٍ مرتفع :
- صباح الخير
ده فطار يعوضك عن الأكل الموحوح اللي معرفتيش تاكليه امبارح
ومن الأسفل كتب توقيعه بخط يده :
- "يزيد"
كاد قلبها يقفز من بين ضلوعها من شدة السعادة، وخفقت شاعرة بـ تلاشي كل المسافات التي ظنت إنها لن تنتهي ولا تستطيع محوها.. ها هو يُبادر بـ لطافةٍ لـ كسبها وهي بدورها لن تردّه أبدًا، لن تُخيب أملها الذي عاش في بواطنها بأن يكون معها، لها، يكون من أجلها.
أسرعت تفتح الطرد وهي تردف بنبرة مسرورة ملأها الحبور :
- ده بجد!! بجد مش مصدقة
ونزعت الغطاء عن الطعام لـ تُصاب بالصدمة، تسمرت في مكانها وتصلبت ساقيها بدون حراك وعيناها عالقة بذلك الصحن.. اختفت كل تعابير السعادة وحلّ محلها الوجوم وهي ترى ما تراه، قرون كبيرة من الفلفل الأخضر الحار مقلية ومحشوة بحشو الجُبن.. هذه هي مفاجئتهِ وإرضاءهِ لها، بل الأحرى إنه العقاب الذي رأى إنها تستحقهُ بعدما جعلتهُ يعاني بالأمس معها طوال وجودهم معًا.
بُهتت "نغم" بعد كل ما رسمتهُ من آمالٍ وطموحات انتهت في الأخير بـ "قرون من الفلفل المقلي"، وظل وضعها المذهول مستمر لبضع ثوانٍ تحاول فيهم استجماع عقلها الذي تشتت من هول المفاجأة التي تلقتها.
تعليقات
إرسال تعليق