رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ياسمين عادل
وإن اجتمع العالم ليؤذيني، أنت وحدك تصدّ شر الجميع عني."
___________________________________________
الساعة الثانية عشر والنصف بعد مُنتصف الليل.
الأجواء تكون باردة في مثل هذا الوقت خاصة بالشتاء، ولكنه لم يشعر حتى بالبرد.. جسدهِ دافئ وتنبعث منه سخونة عجيبة لا يدري ما مصدرها، قد تكون من فرط غضبهِ وامتعاضهِ.. أو من فرط قلقهِ عليها حتى وهي تجاورهُ.
عندما يفكر بإنها إنسانة تعيسة الحظ لم ترى السعادة في حياتها يزيد شعور شفقتهِ عليها وتضيق عليه أنفاسهِ.. أين كان هو حينما كانت تعاني كل هذا بمفردها؟!.. كيف لم يهتم يومًا أن يسأل ما حال إبنة عمي التي لا أعرفها ولا أراها؟.. حتى إنه يلوم نفسهُ على ذلك وهو الذي بلا ذنب.
نظر "يونس" في ساعة يده، ثم عاد ينظر نحوها من جديد.. كانت نائمة بعمق شديد مُغطاه بـ معطفهِ الأسود الثقيل لا تشعر بأي شئ.. لم يفرط في إيقاظها، وظل جالسًا بالسيارة ساعة كاملة تاركًا إياها تنام على المقعد المجاور له براحة.
الموسيقى الهادئة وبعض الظلام في مكان هادئ بالقرب من منزل "كاريمان" التي يقبع في منطقة سكنية راقية وهادئة، وفرّ لها كل السُبل كي تهنأ ببعض الهدوء.
أهتز هاتفهِ فـ أجاب على الفور بصوت منخفض :
- أيوة ياعيسى
- كله تمام
فتح "يونس" باب السيارة وترجل كي يجيب براحة أكثر :
- زي مااتفقنا ياعيسى، أنا عايزك تسويه على الجنبين لحد ما آجي بكرة
أصدر الهاتف رنة غريبة، فـ نظر للشاشة كي يجد مكالمة قيد الإنتظار :
- طب أقفل هكلمك تاني
ثم أجاب على "كاريمان" التي تنتظر على الطرف الآخر :
- أيوة يانينة
فـ صاحت به :
- أنت فين من الصبح يايونس، أخدت ملك ومن ساعتها مرجعتش.. ملك فين ؟
فـ ابتسم رغمًا عن غضبه و :
- معايا وجايين أهو، خلي بالك أنا ممكن أغير منها لو حبتيها أكتر مني
فـ صدمتهُ "كاريمان" بعبارة لم يكن يتخيلها منها :
- اللي بيحب مش بيغير من اللي بيحبه يايونس، Hiç şans yok. "مستحيل"
ثم أغلقت المكالمة على الفور، بينما هو.. حدقت عيناه واتسعتا ، شده للحظات فيما قالته.. فـ انتشله من شرودهِ المذهول صوت "ملك" الناعس يناديه :
- يونس
فـ عاد يجلس في سيارتهِ على الفور و :
- أنا هنا
اعتدلت في جلستها ومازالت عيناها ناعستين وسألته :
- إحنا كل ده موصلناش؟
- معلش الطريق كان زحمة
ثم أدار السيارة كي يعود بها لمنزل "كاريمان" و :
- قربنا خلاص
- طب وبابا؟
سألت بقلق، فأجاب "يونس" كي يطمئنها :
- متقلقيش، يزيد معاه واحنا هنروح الصبح
.........................................................................
وضعت "كاريمان" بنفسها الغطاء على "ملك" بينما ساعدتها الأخيرة مُدثرة نفسها.. كبحت أي شعور قد يطفو على تعابير وجهها فـ تفهم "كاريمان" على الفور، ورسمت ابتسامة صغيرة دائمة لم تفارق ثغرها :
- شكرًا يانينة ، تعبتك معايا
فسألتها "كاريمان" مباشرة حيث لم تنطلي عليها تلك البسمة الخادعة :
- مالك ياملك؟ شكلك زي ما تكوني بتحاولي تخبي حاجه
ارتبكت "ملك" على الفور بعدما فشلت في التمثيل، فـ أسرع" يونس" اللحاق بالموقف مبررًا :
- هيكون إيه يعني.. بتحاول تداري حزنها على حالة عمي
فـ أيدت "ملك" تبريره على الفور :
- صح
أومأت "كاريمان" متجاوزة هذا الأمر بإرادتها، ثم نظرت لساعة الحائط وهي تقول :
- الساعة ١، كفاية سهر
ثم أشارت لـ "يونس" :
- وانت كمان روح على أوضتك، الصبح نتكلم
أنهت عبارتها وهي تتحرك من مكانها لتغادر الغرفة، فـ نظر "يونس" حيالها قبل أن يجلس على الفراش و :
- أحكيلي كل حاجه ياملك، مين الست اللي خرجتي معاها من المستشفى وإيه اللي حصل بعدها
ثم نظر لكفها بعد أن أمسكهُ وقد بدت عليه خدوش وسحجات ظفرية بارزة :
- وإيه اللي في إيدك ده! في حد اتعرضلك هناك؟
سأل سؤاله بقلق ساورهُ، بينما هزت هي رأسها وهي تتذكر كيف أوقعت "رحمة" على الأرض وكيف أتت طاقتها كي تضربها ضربًا موجعًا هكذا وشرحت ذلك بشكل مختصر :
- محدش عمل معايا حاجه، أنا اللي ضربت رحمة
ارتفع حاجباه عن مستواهم و :
- رحمة مين؟؟
- مرات ربيع، اللي كانت واقفة معاك على باب الأوضة
مط "يونس" شفتيه وقد تذكر بالفعل رؤيته لهذا التورم الذي أخذ محلهِ أعلى حاجبها، ثم ابتسم مفتخرًا بفعلتها المجترئة و :
- براڤو، بس ليه؟
فأجابت "ملك" بتلقائية وبدون تزيين :
- جوزها اتجنن وقال إنه هيتجوزني، وهي جت تفش غلها فيا وفاكرة إني هسكت.. أسكت؟؟
فـ أجاب على الفور :
- أكيد لأ
ثم استوقفته تلك الكلمة التي أزعجته قليلًا، بل كثيرًا أيضًا:
- مين قال هيتجوزك؟؟ ربيع؟
فـ ضحكت "ملك" من زاوية فمها بسخرية و :
- تخيل، يعني أنا أخلص من محمد عشان أتجوز ربيع!
فـ خطر على ذهنه أن يسألها فورًا :
- وانتي أصلًا بتفكري تتجوزي تاني؟
- لأ طبعًا
فسأل بـ ارتياب :
- حتى لو شخص مناسب!
فكانت متسرعة قليلًا وهي تجيبه بدون بتفكير :
- مفيش شخص مناسب يايونس، وأنا ما صدقت بقيت حرة
كأنه تضايق قليلًا بعد تصريحها الأخير الذي بدد فكرة تفكيرهِ في طلب عمهِ.. حتى إنها لم تفكر به كونه إنسان مناسب لها، هي لم تراه في الأساس، قد يكون بالنسبة لها الجدار الذي بُني لها لـ تتكئ عليه فقط.. نهض "يونس" عن جلستهِ و :
- آ... نامي دلوقتي وارتاحي، اليوم كان صعب بالنسبالك.. وبكرة نبقى نتكلم في اللي حصل
خرج فورًا، أحست كأنه كان يجب عليه أن يجلس معها قليلًا ولكنه لم يفعل.. به شئ تغير فجأة وجعله يفقد شغفهِ للجلوس بـ رفقتها، ولكنها لم تكتشف بعد إنها تركت قُنبلة في أحضانهِ بعد تصريحها الغير مدروس.. لم تفكر قط في عرض والدها بتزويجهم والذي قُبل بالرفض منها منذ لحظات، وكيف تفكر وهي تحمل برأسها ألف همّ وهمّ !؟
...........................................................................
حتى وإن كان مرهق، متعب، لم ينم جيدًا بفضل المبيت مع عمهِ بالمشفى.. ولكنه بدّل ثيابه سريعًا وذهب في الصباح الباكر للشركة منتعشًا متحمسًا بما سيفعله اليوم بها.
دخل "يزيد" لـ مكتبهِ ، وأول ما فعله رفع سماعة الهاتف الخلوي وسأل :
- أيوة، عايز أعرف الموظفة الجديدة اللي في قسم الحسابات وصلت الشركة الساعة كام النهادرة
استغرق الأمر بضع لحظات انتظار منه، ثم تلقى الجواب.. ذمّ شفتيهِ بـ إعجاب ينكره بـ استمرار و :
- قبل معادها بـ ربع ساعة! ما شاء الله إلتزام أوڤر دوس.. أسمعي، لو اتأخرت في أي يوم بلغيني فورًا
ثم أغلق الهاتف وهو يتمتم :
- تمام
فرك ذقنه، ثم داعبها قليلًا قبل أن يهمّ بالخروج متوجهًا نحو قسمها.. مختالًا في خطواتهِ، فاتر الملامح، حتى دخل إليها فوجدها منكبة على مكتبها الصغير منشغلة بـ أعمالها.. دخل فـ أحست بوجوده على الفور، رفعت بصرها بهدوء نحوه، ثم بادرت مجفلة أنظارها على ما تفعل :
- صباح الخير يامستر يزيد، أي خدمة أقدر أقدمها لحضرتك؟
فقال بلهجة رسمية :
- ملف فواتير البنوك QNB و CIB و HSBC
فـ نهضت وغادرت مكتبها، دلفت لمكتب "عبد اللطيف" بضع لحظات كان يتفحص فيهم "يزيد" كل شئ من حوله حتى عادت هي وسلمته الملفات الضخمة :
- أتفضل
نظر لها وهي بين يديها الملفات، ثم قال :
- مش دول ، عايز بتوع السنة اللي فاتت
لم تصدر أي إيماءه تدل على امتعاضها منه، بل دلفت من جديد لإحضار ما طلب.. فـ مدّ هو يده وأطاح رفّ كامل من المكتبة الموجودة على يسارها لتتناثر الأوراق وتتبعثر، فـ عادت هي على الفور وقد أصيبت بالفزع لتجد تلك الحالة المزرية.. شهقت بفزع وهي تنظر إليهم قائلة :
- نهار أسود! إيه ده!!
فأجاب بفتور :
- شكلهم معجبنيش، الملفات قدمت
شهقت شهقة خافتة و :
- يعني أنت اللي آ...
- آه أنا
ثم أشار نحو تلك الفوضى و :
- لمي كل ده وخلي حد يجيب ملفات جديدة تنقلي فيها كل الورق ده
- إيــــه!!
فـ اشتدت قسوة ملامحه وقال بصرامة تماشت مع تعابير الجادة ونبرته المحتدمة :
- إيه عندك طرش ولا إيه؟.. بقولك لمي كل ده ويتحط في ملفات جديدة
ثم أبلغها بالخبر الذي سـ يصعقها :
- رئيسك المباشر في أجازة مفتوحة مدفوعة الأجر
ثم أشار لنفسهِ و :
- يعني بقيت أنا المدير المباشر عليكي دلوقتي، إيه رأيك؟
فـ تركت كل رسميات العمل جانبًـا و سألت :
- للدرجة دي وجودي تقيل وعايز تزهقني وتخلص مني؟
فـ ابتسم بسماجة قليلًا و :
- طلعتي بتحسي، كنت فاكرك حلوفة "عديمة الإحساس"
فـ تركت الملفات التي تمسك بها على المكتب ودنت منه حتى أصبح بينهم سنتيمترات قليلة و :
- ده بعينك، أنا قاعدة على قلبك
ثم توسطت خصرها بيدها و :
- لما اخلص وأغير الملفات هناديك عشان تقولي رأيك في زؤي
فـ شدّ على عضلات فكهِ و :
- لما تخلصي هاتي الملفات اللي طلبتها على مكتبي
والتفت كي ينصرف، حضر ليزعجها ولكنه في الحقيقة هو الذي انزعج وبـشدة.. ظلت تلك الإبتسامة تلوح على ثغرها حتى غادر.. فـ عبست وهي ترى تلك الفوضى من حولها وجلست على مقعدها وهي تغمغم :
- منك لله، أنا لابسة أبيض النهاردة وهتبهدل بسببك!
ونظرت لثيابها البيضاء الجديدة وقد صعب الأمر عليها أكثر كونها من مُحبي هذا اللون الفاتح.. وتأففت منزعجة منه رغم أن إطلالته الأنيقة في البداية كانت لا تقاوم، ولكنها الآن تفكر في حل لما وقعت به.
...........................................................................
جلس "يونس" في هذه الساعة المبكرة على المائدة برفقة "كاريمان" يتناولان الإفطار، كان منشغلًا.. أو هكذا بدا عليه، حتى حضرت "ملك" لتشارك مجلسهم :
- صباح الخير
فـ لم يلتفت لها "يونس" وأجاب ببرود :
- صباح النور
ابتسمت "كاريمان" وهي تضع طبق فارغ لها و :
- تعالي ياملك، أنا كنت هصحيكي عشان تفطري معانا لكن يونس صمم نسيبك نايمة براحتك
فـ أفتر ثغرها مبتسمة بـ تودد و :
- تسلمي يانينة، أنا صحيت لوحدي أهو
نظرت نحو "يونس" فلم تجده مُعيرها أي اهتمام، أثار ذلك فضولها ولكنها لم تستطع أن تسأل.. ماذا ستسأل؟
سكب "يونس" الماء المغلى في الكوب ثم عصر ليمونة كاملة وأنهى عمله بـ ملعقة من العسل الأبيض، وبعد التقليب المستمر بدأ يرتشف مشروبهِ المفضل بصمت مريب.. بينما وضعت "ملك" قطعة من الجبن الرومي على قطعة من خبز التوست الأبيض وبدأت تتصنع تناولها المقنن لها.
فسألتها "كاريمان" :
- تشربي إيه ياملاك؟
ابتسم "يونس" رغمًا عنه إعجابًا بالأسم الذي تطلقه عليها "كاريمان"، بينما كانت هي تُجيب :
- ولا حاجه
فـ مسحت "كاريمان" على وجهها الذابل قليلًا و :
- أنتي لازم تتغذي كويس، مش شايفة وشك مرهق إزاي؟
ولمحت لها تلميحًا صريحًا :
- عايزين لما نفكر نجوزك تكوني رايقة ووشك فيه Canlılık.. حيوية يعني
فـ أجاب "يونس" بدلًا عنها وهو ينهض ممسكًا بكوبهِ :
- ملك مش بتفكر في الجواز يانينة، مفيش إنسان مناسب ممكن تتقبله
ثم نظر حيالها وتابع متضايقًا :
- ياريت متضغطيش عليها
فسألتها "كاريمان" متعجبة :
- صحيح ياملك؟
- آ... أصلي كنت آ....
فلم تعجب "كاريمان" برأيها كثيرًا وعبرت عن ذلك :
- لأ ياملك مش صح، في لسه رجالة كتير يستحقوا ياخدوا فرصة
كانت نظراتهِ لها غريبة حملت مغزى معين لم تفهمه، همّ "يونس" لينصرف من بينهم، فـ انغلق عقلها على بعضه البعض.. فهمت لماذا حاله متغير هكذا، واكتشفت إنها قابلت عرض زواجهِ الغير مباشر بالرفض قبل حتى أن يُطلب، فـ عضت على شفتيها بنزق وهي تتمتم لنفسها :
- إيه اللي أنا عملته ده! ؟
............................................................................
ما طلبهُ "يزيد" منها كان ثقيلًا بالفعل، فـ هي ليست موكلة لتنظيف الأرفف وتغيير الملفات المُبددة المُهلكة.. ولكنها رضخت له عِنادًا به.
ظل "يزيد" في مكتبهِ منشغل بأعماله، ولكن عقلهِ الباطن ينتظر مجيئها.. لم يمر الكثير من الوقت ولكنه ضجر من الإنتظار، حتى وجد الباب ينفتح و" نغم" تدلف.. دفعت الباب بقدمها غير قادرة على استخدام يدها التي تحمل الملفات، ثم ذهبت بـ اتجاهه ووضعت الملفات على مكتبه قائلة :
- أتفضل، الورق اللي طلبته في ملفات جديدة ومترتب
فـ تفحص الملفات بنفسه وهو يسأل بجدية :
- خلصتي الشغل اللي طلبته منك؟
فقالت بتباهي :
- لأ
فـ صفق الملف وهو يغلقه و :
- أفـندم؟
- في حد تاني بيعمله
فـ وقف عن جلسته ونظراته الحادة ترمقها بحزم :
- أنا قولتلك أنتي ياآنسة
فـ أجابت بـ أريحية زائدة :
- مستر يونس قالي سيبيه، ده مش شغلك.. وبعت حد تاني ييجي يعمله
— عودة بالوقت للسابق —
دخل "يونس" قاصدًا مكتب "عبد اللطيف"، فوجدها منحنية على الأرض تلملم في الأوراق.. تنغض جبينه بضيق وهو يحمحم قبل أن يسأل :
- نغم
فـ اعتدلت على الفور وسقطت بعض الأوراق منها :
- أيوة يامستر يونس
ثم نظرت للأوراق التي تساقطت و :
- آسفه، هجمع كل حاجه
فـ احتد أسلوبه وهو يردف :
- دي مش وظيفتك يانغم، سيبي كل حاجه وانا هبعت حد من المخزن يظبط كل ده
فـ انشرح صدرها وزال ذلك العبوس وهي تقول :
- بجد؟
- أكيد مش بهزر
— عودة للوقت الحالي —
ابتسمت "نغم" ابتسامة واسعة وهي تردف :
- يعني خلاص اللي طلبته بيتعمل
نظرت لساعة يدها و :
- أنا لازم أخرج عشان مستر يونس هيوديني المستشفى لملك
جلس في مكانه ولم يعقب، اكتفى بـ النظر الصامت وهو مستشيط غضبًا، لابد أن يجد حدّ لتدخل "يونس" في الأمر وإلا سينفلت الأمر أكثر وأكثر.. صمتهِ هذا لم يكن علامة مبشرة، ولكنها تماثلت للهدوء المريح للنفس وتجاهلت أي شعور بالقلق قد يفسد عليها مشاعر الإنتصار .. نظرت لثيابها الجديدة وقالت بنبرة معاتبة :
- في حد يبهدل حد قمر كده ولابس أبيض؟
فـ حذرها بلهجة غير قابلة للمزاح :
- واضح إن عمرك ما اتعاملتي جد في حياتك
هزت كتفها گتعبير عن النفي و :
- مش عايزة، لو انت النموذج اللي بيعبر عن الجد فـ انا مش عايزاه
ثم لوحت له قبل أن تتحرك و :
- باي
خرجت.. فـ أمسك هو هاتفهِ كي يتصل بـ "يونس" لإيقاف تلك المهذلة، كلاهما بكلمة مختلفة عن الآخر.. والأغلب يكون لصالح "نغم".. إذًا عليهم التحدث في الأمر كي لا تضيع عليه هيبتهِ أكثر من ذلك.
وضع الهاتف على أذنهِ منتظر الرد، فـ دلف عامل البوفيه وهو يحمل فنجان من القهوة له :
- قهوتك يافندم
فـ تقلصت تعابير وجهه ممتعضًا وقال بـ اقتضاب :
- مطلبتش
فـ حدق العامل وهو ينظر للكوب و :
- إزاي؟ آنسه نغم بلغتني إن حضرتك طلبت قهوة وهي عملتها بنفسها
ارتفع حاجبيه مشدوهًا من فعلتها، وترك الهاتف بعد أن أغلق المكالمة و :
- سيبه هنا
نظر له، إنها تلك الرائحة الأصيلة التي عشقها.. تصرفها الذي رآه متسرع إلى حدٍ ما أعجبه، ولم يتردد في تناول الكوب واستنشاق رائحتهِ أولًا.. ترى ماذا سيكون الرد المناسب على ما فعلت؟.. هل تعلن عن فترة هدنة أن تسترضيه؟ أم تعلن رغبتها في إنهاء الحرب التي يرغب هو في شنّها بعد أن بدأتها هي؟
لم ينجح في التخمين كونها شخصية لم يستكشف بعد ما ورائها، كيف تفكر وماذا تريد؟ وما الذي تريده منه هو تحديدًا؟.
شرب رشفة، فـ نسى أن يفكر.. نسى ما بينهما من عراك بارد وتذكر فقط لفتتها اللطيفة تجاهه.
.......................................................................
نزع "يونس" المعطف والسُترة وألقى بهم في المقعد الخلفي من السيارة بعد أن وصل لأحد المخازن البعيدة التي يمتلكها بأسم الشركة.. ثم ترجل منها.
دنى من "عيسى" التي يقف لـ استقباله وهو يشمر عن ساعديهِ وسأل :
- ها؟
- كله تمام
دلف "يونس" من البوابة الخلفية للمخزن.. حيث كان "ربيع" مُقيد بـ حبال سميكة في المقعد الحديدي الذي يجلس عليه ورأسه محني بـ اتجاه الأرض، كان يخطو كل خطوة وكأنها ضربة مبرحة يختزلها له.. حتى أصبح أمامه مباشرة، رفع رأسه نحوه والتي كان جليًا عليها آثار الضرب الذي يتلقاه منذ الأمس.. فـ مطّ شفتيه بـ أسف مزيف و :
- تؤ تؤ تؤ.. ليه كده ياعيسى؟ ليه تعامل الضيف بالقسوة دي، مش انا موصيكم عليه
فأجاب "عيسى" جوابًا مقنعًا :
- كل واحد بيشوف مننا اللي يستاهل يشوفه ياباشا
فـ أيد "يونس" ذلك و :
- صح، أنت صح
ثم فتح كفهِ فـ ناوله "عيسى" سكين حاد النصل "مطوة".. فتحها ببطء أمام عيني "ربيع" الذي كاد يتبول على نفسه من فرط الذعر الذي يعيشه منذ الأمس، فـ فتح فمه ليتكلم أخيرًا :
- أنت هتعمل إيه؟؟ آ.. أنا هبلغ فيكم واوديكم في داهية
- تؤ، مش هتلحق ياربيع.. زمان تصريح دفنك بيجهز دلوقتي عشان تودعنا بقى
قرب السكين منه وشقّ الحبل بعمق حتى انقطع وهو يردف :
- مش عايزك تقلق خالص، عيالك في رقبتي وانا هتكفل بيهم
سقط "ربيع" عن المقعد بعد حلّ وثاقهِ.. سعل ، وتخيل نهاية مأساوية لنفسه لا يستطيع تصديقها رغم حتميتها :
- أنا مش هـمـوت، مش هـــمــوت
رفعه "يونس" عن الأرضية بحركة عنيفة مباغتة، رمقه بـ احتقار مزج بين الغضب والنفور :
- مفكرتش قبل ما تمد إيدك على اللي ميخصكش ليه ياربيـع؟؟ يعني لازم أعلم عليك عشان تفهم الفرق اللي بينا يا ××××
ولكمهُ غير مكتفيًا بما تلقاه وهدر فيه :
- أنا هخزق عنيك اللي اتجرأت وبصت على حاجه متخصهاش، هوريك اللي تستاهله يا ×××××
وضرب بركبتهِ في بطنهِ وعاد يرفعه مرة أخرى ينفث عن طاقته العنيفة في ضربه، وكأنه لم يكتفِ بما رآه عليه.
........................................................................
قاد "يونس" سيارته بنفسهِ بعدما وضع "ربيع" في مؤخرة السيارة يمضي في طريق يعرفه وقد درسهُ مُسبقًا ليعرف مدى نسبة الأمان به..
توقف في المكان المنشود وترجل عن سيارته، ثم اجتذبهُ من خلفية سيارتهِ وقد كان شبه مُنتهيًا بعد ما تلقاه من ضرب مُبرح يُفتت قوة العظام ويبدد استطاعتها على التحرك..
ثم جرجرهُ على الأرض الصلبة بدون ذرة من الرأفة، بل أن عيناه كانت ترغب في رؤية موتهِ بأي شكل بعدما فعلهُ بـ "ملك".. أسندهُ على السور الحديدي الذي يغطي الشارع بأكمله ويفصل بين الطريق الرئيسي وبين نهر النيل، ثم رفعهُ بعنف كي يقف على ساقيهِ المرتجفتين وقد تشوشت رؤيته وتغطى وجهه بطبقات الدم المُتجلط، وهتف له بصوت من فرط شرّه كأن الشيطان يسكنهُ :
- أنا في حقي مش بس بهد الدنيا، أنا بجيب عاليها واطيها.. فما بالك لما يبقالي حق عند حد !.. مش بسيبه يبات برا
وفجأة كان يرفعهُ بأقصى قوة لديهِ ودفعهُ من أعلى السور لـ يسقط في مياه النيل المُضمحلة ليذهب مع سريان المياه أينما تجرفهُ.. في كُل الأحوال لن يعيش طويلًا وهو بتلك الحالة الشبه مُـنتـهية.
تعليقات
إرسال تعليق