رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ياسمين عادل
كانت "ملك" مُتخشبة، متصلبة لا حراك فيها.. بينما كانت "تفيده" تعانقها وهي لا تشعر حتى بذلك، غيمة ظللت على عقلها فـ أصبحت مغيبة تمامًا.
أوصد "ربيع" الباب ووقف خلف وما زالت عيناه قاصدة "يونس" الذي رمقه بنظرات محمومة تُشع لهيبًا، كأنه سيحرقهِ إن استطاع الآن..
ابتعدت "تفيده" عنها وأمسكت بذراعيها وهي تردف :
- أفتكرتيني ياملك ؟
لم تعقب، ظلت تحفر في ذاكرتها ورأسها حفرًا عسى أن تتذكرها.. ولكنها لم تنجح ، فـ هزت رأسها بالسلب و :
- لأ
فـ ربتت "تفيده" على كتفها :
- هتفتكري كل حاجه متخافيش، أنا مش مستعجلة
كانت نظرات "ربيع" الأولى لها نظرات مسّتها الرغبة، نظرات آكله راحت تتفحصها من رأسها وحتى أخمص قدميها.. لم يتجاهل "يونس" ذلك، حيث شعر بـ نفاذ صبره الذي دفعه للتدخل الآن كي يُصرف عنها نظراتهِ على الأقل.. تقدم منهم حينما كان "ربيع" يعرف نفسه لها :
- أنا ربيع أبن خالتك
ومدّ يده ليصافحها، فـ صافحتهُ بعفوية غير مدركة بلمسة كفهِ الخبيث لها.. فـ سحب "يونس" يدها من كفهِ ووقف أمامها ليحول بين "تفيده" و "ربيع" وبينها.. وبنبرة حازمة كان يهتف :
- أهلًا
تطلعت إليه "تفيده" بغرابة وهي تجيب :
- أهلًا وسهلًا
ثم نظرت لـ "ملك" وسألت :
- أنت جوزها ؟
شهقت "ملك" شهقة مكتومة، بينما أجاب "ربيع" نيابة عنه :
- لأ إبن عمها ياما
فـ هزت "تفيده" رأسها بتفهم، ثم نقلت أنظارها لها و :
- تعالي ياملك.. تعالي معايا يابنتي في كلام كتير عايزة أقولهولك
فسأل "يونس" بـ احتدام رافق نبرته :
- تيجي فين حضرتك؟
ثم أشار نحو الأريكة وهو يدعوها للجلوس :
- أتفضلي انتي أقعدي وقولي اللي عايزاه، ملك مش هتروح في حته
فـ تدخل "ربيع" وهو يناطحهُ :
- وانت إيه دخلك ياأخينا، خالة وبنت اختها وعايزين يتكلموا.. إيه خصك أنت؟
فـ أشار له "يونس" محذرًا :
- أنت بالذات تسكت خالص
دفع "يونس" "ملك" برفق كي تتراجع للخلف وما زال هو أمامها كي يفسح لهم الطريق :
- أتفضلي
شبكت "تفيده" أصابع يدها وهي تزجرهُ بنظرة محتقنة و :
- مش فاهمه انت بتتكلم بلسانها ليه؟؟ أنت مسؤول عنها وانا معرفش ولا إيه؟؟
كل ذلك و "ملك" عاجزة أمام صدمتها، لا تدري ما الذي يجب أن يقال في موقف مثل هذا ومع أُناس تكاد تجزم إنها تراهم لأول مرة في حياتها..
فكان "يونس"هو لسانها الذي عبر عن عدم رغبتها في التحدث أو التقرب أو أي شئ :
- حاجه زي كده ، خير ياطنط! إيه اللي فكرك بـ ملك بعد كل السنين دي!؟
- مين قالك نسيتها، أبوها ربنا ينتقم منه هو اللي حرمني منها من بعد ما منار اختفت
شهقت "ملك" شهقة مكتومة بعد ما سمعتهُ،حينئذ كان "يونس" يعترض على طريقة تحاورها معه عن "إبراهيم" :
- أنتي في بيتنا صحيح، لكن ده ميمنعش إني هعرف أرد عليكي كويس لو فكرتي تتطاولي على عمي
فـ أقبل عليه "ربيع" گالذي سيهجم عليه و :
- حيلك حيلك، أنت بتكلم مع مين كده!! أوعى تكون مفكرني هفأ!
فـ دفعه "يونس" بيد واحدة وهو يرمقه بنظرات شزره و :
- والله أنت أدرى
- مــلك!
صاح بها "إبراهيم" بعد أن خرج من غرفته مستندًا على الجدران.. ثم قال وصوتهِ المبحوح مصحوب بنهج صدرهِ :
- تعالي هنا ياملك
حدجتهُ "تفيده" بنظرات متفحصة شامتة ولم تهتم لوجود "ملك" وهي تنطق :
- لسه فيك حيل تقف على رجلك ياابراهيم! أنا قولت هاجي ألاقيك قابلت وجه كريم
فـ تدخلت "ملك" متجاهلة أي اعتبار و :
- إيه اللي بتقوليه ده؟؟ إزاي تقولي كده على بابا؟
فـ أفتر "إبراهيم" ثغرهِ بـ استخفاف و :
- سيبيها ياملك،هي طول عمرها كده جواها سواد
فـ ضحكت "تفيده" وهي تسخر من حديثه :
- ولا هرد عليك، كفاية اللي ربنا عمله فيك ياظالم
ثم وجهت حديثها لـ "ملك" بينما كان "يونس" يتضرع في سرهِ كي لا يُفتح هذا الأمر أمامها هكذا :
- أبوكي اللي بتدافعي عنه ده هو اللي ورا اختفاء منار، واهو ربنا بينتقم منه دلوقتي وهيموت بالمرض ياكش بس هو يتعظ
فـ صاح بها "إبراهيم" وهو ينفي الإتهام عن نفسه :
- محصلش، أنا زيي زيكوا معرفش أي حاجه عنها!
فـ تشوش عقل "ملك" وهي تتخبط بتفكيرها، ودنت من أبيها وهي تسأل بعدم فهم :
- يعني إيه يابابا؟؟ ماما مماتتش؟
- ماتت
أجابها فورًا كي لا يسمح لعقلها أن يُعصف، فـ قهقه "ربيع" ساخرًا منه و :
- ياسبحان الله، يعني ماتت ولا اختفت ما ترسى على كلمة ياعم إبراهيم!
فـ وجه "إبراهيم" كامل حديثهِ لـ "ملك" التي تجمدت گقطعة ثلج :
- أكيد ماتت ، منار لو عايشة مكنتش هتسيبك لوحدك ياملك.. صحيح إحنا معرفناش نوصل لجثتها بس أنا عارف إنها أكيد ماتت
هزت "ملك" رأسها رافضة ذلك التبرير الأبله الذي لم تقتنع به و :
- إيه الكلام ده! أنا مش فاهمة.. يعني هي راحت فين؟؟ وليه افتكرتها ماتت؟
ثم صرخت فيه بعدما بدأت تستوعب حجم الكارثة، بل حجم الفاجعة التي عايشتها طوال سنوات وهي تعاني شعور اليُتم :
- يعني كــذبت عليا وأمـي عايـشـة؟؟
ارتجفت أطراف "إبراهيم" عاجزًا عن مجابهة ابنته وهو في حالتهِ الحرجة تلك ورغم ذلك حاول أن يدافع عن نفسه وعن ذكرى والدتها أمامها :
- مكدبتش يابنتي! أمك خرجت ومرجعتش حتى الجيران محدش شافها.. قلبت عليها الدنيا وبلغت الشرطة ملهاش أي أثر، يبقى إيه! أكيد ماتت!
فـ تدخلت "تفيده" كي تسوء حالته أكثر متعمدة الإيقاع بينهما :
- مين اللي قالك ماتت! مش يمكن تكون انت السبب في موتها.. الله أعلم موتها ولا عملت فيها إيه، دي كانت ياحبة عيني في عز شبابها!
- أخــرسي ياولية أنتي.. إزاي تتهميني بكده
فـ انهارت "ملك" باكية وهي ترجوها أن تصمت :
- أرجوكي بس، بس متقوليش كده
فـ ضغطت "تفيده" أكثر عليها :
- دي الحقيقة اللي لازم تعرفيها يابنتي، الدليل إن أبوكي أخدك وساب المنطقة كلها واختفى.. لولا إبني ربيع كان متابع وبيحوم حوالين بيتكم القديم مكنش شاف إبراهيم ولا وصل لمكانكم من تاني
كان "يونس" بين وجهتين من النار عاجزًا عن صدّ إحداهن بينما "ملك" هي البؤرة التي تنطلق النيران من الجهتين نحوها..
لم يتحمل رؤيتها تبكي بحرقة هكذا.. فـ راح ينتشلها من هذه المواجهة وبسرعة :
- ملك، تعالي آ..........
فصرخت بوجهه دون شعور :
- مش هتحرك من هنا قبل مااعرف أمي فين؟
ونظرت لوالدها متابعة :
- عشان كده معرفش قبرها فين! عشان ملهاش قبر!؟
وصرخت صرخة تُفطر القلوب وهي تصيح :
- أُمــي مـلهـاش قـبر
فـ حزنت "تفيده" لحالتها تلك واقتربت منها كي تهدأ وهي تردف :
- أهدي يابنتي مش كده، أنا غرضي أعرف أختي فين وإيه جرالها.. لو ماتت فين مدفنها أزورها فيه، مش جاية عشان أشوفك بعد كل السنين دي في الحالة دي
وربتت على ظهرها في حين كانت "ملك" لا تتحمل حتى لمستها :
- أهدى وتعالي معايا ده انا قلبي ملهوف عليكي ليا سنين وما صدقت لقيتك
فـ هدر بها "إبراهيم" وهو يجتذب "ملك" بعيدًا عنها :
- تيجي فين ياخرفانة انتي؟ بنتي معايا في حضني.. اللي ليكي واجب الزيارة وتشوفيها وتمشي
فـ تدخل "ربيع" بصوتهِ الخشن ونظراته التي أرعبت "ملك" :
- وفيها إيه يعني لما تروح مع خالتها، هو احنا لموأخذة هنخطفها !
انكمشت "ملك" على نفسها وهي تهمس بنبرة اختلجها الأنين وكأنها تستنجد :
- يونـس
ووقفت خلفهِ وهي تهمس گطفلة تشبثت بـ أبيها :
- أنا عايزة أمشي
فـ تأجج غضب "ربيع" وهو يراها قريبة من "يونس" هكذا وخطى خطوة وهو يقول مزمجرًا :
- تمشي ده إيه يابنت خالتي!.. ده لسه الكلام هيطول بينا
فـ زجره "يونس" بنظرة لم ينظر بها لإنسان قط وزأر بصوت مُحذر :
- إياك تخطي خطوة تانية ولا تكلم معاها، إيــاك
فـ أيّد "إبراهيم" فكرة انصرافها الآن و :
- خدها روحها يايونس ، يلا يابني
فـ أشار لها "يونس" كي تُحضر حقيبتها وهو يستخدم هاتفهِ لإرسال رسالة نصية :
- ملك هاتي شنطتك ويلا بينا
فـ نظرت "ملك" لأبيها نظرة مخذولة، بينما أردف هو :
- هنتكلم بعدين يابنتي، بعدين
ولجت موفضة للداخل، إينذاك تدخلت "تفيده" وهي تصيح بأعلى صوت لديها :
- أنت عايز تهرب البت ومعرفش آلاقيها تاني!! ده بُعدك.. بنت أختى هاخدها منك ده حقي
فـ رمقها "يونس" بـ استخفاف و :
- فاكرة نفسك بتكلمي عن طفلة؟؟ دي كبيرة وراشدة وعارفه كويس هي عايزة مين وهتروح فين! ملك مش قاصر
فتشددت برأيها بدون تفكير :
- برضو هاخدها
تنهد "يونس" وهو يُحيد ببصرهِ عنها وقد سئم هذا الحوار الغير مُجدي.. خرجت "ملك" لا تملك السيطرة على نفسها، فـ اقترب منها "يونس" كي يضمن خروجها في حمايته بدون أن يتعرض لها "ربيع" بالحديث.. فكان بالفعل يقف مُحيلًا بينهم وبين الباب منتويًا ألا يُخرجهم :
- محدش هيخرج قبل ما نشوف حل يرضينا، ماهو احنا مش هنستنى كل السنين دي وأخرتها كلمتين ونفضها سيرة
كان تحذيرهِ شديد اللهجة وهو يشير إليه بـ سبابتهِ :
- الكلام وقف لحد هنا، أحسن ليك توسع من طريقي
فـ حاولت "تفيده" أن تستعطف "ملك" لعلها تتراجع عن الذهاب وتوفر عليهم عناء شجار بين "يونس" و "ربيع" :
- يابنتي هي دي المقابلة اللي تقابلي بيها خالتك! ده انا حيلي اتهد وانا بدور عليكي
فـ هزت "ملك" رأسها رافضة مجرد التحاور :
- أنا مش عرفاكي، أنتي غريبة عني
- طب خلينا نتكلم بعيد عن هنا وبعدين ليكي الكلام
تحرك "إبراهيم" متعرجًا نحو الباب ليفتحه بعد أن استمع لطرقات عليه.. في حين أن "تفيده" مازالت تحاول بدون جدوى أن تتحدث إلى "ملك" التي رفضت الإعتراف حتى بما تعيشه الآن..
دلف "عيسى" متهيئًا لأي وضع قد يُفرض عليه.. نظرة واحدة كانت كفيلة بأن يفهم لماذا طلب "يونس" صعوده.. هو يريد خروج آمن بدون أن يُعرض "ملك" لمشاهدة أي موقف قد يتعلق بذاكرتها..
فـ اقترب من ربّ عمله، ووقف قبالة "ربيع" يقول بحزم :
- وسع من على الباب ياحضرت
رمقهُ "ربيع" بدون اكتراث و :
- والنبي هي مش ناقصة حد يتدخل، خصوصًا لو خدام زيك
أومأ "عيسى" بدون أن يوليه اهتمام وكأنه بعوضة مرّت من أمام أنفه :
- هتوسع الطريق ولا لأ
فـ تدخلت "تفيده" وهي توزع نظرات حانقة على الجميع :
- هي عافية ولا إيه! إحنا جايين نتكلم بالزوء وانتوا هتتعافوا علينا وأخرتها جايبين واحد غريب يتدخل بينا
حاول "يونس" أن ينفلت بها وسط هذا الضجيج، ولكن "ربيع" كان يقف له گالمرصاد :
- مش هتخطي عتبة البيت ده وهي معاك
وسرعان ما كان التدخل من "عيسى" أسرع من سرعة البرق.. حيث اجتذبهُ من أمامهم بغتة ولوى ذراعيهِ خلف ظهره وهو يثني جسده كي يكون منحنيًا گأنه يركع، شهقت "ملك" بتخوف، فـ أسرع "يونس" بـ انتشالها من هنا وخرج بها مسرعًا في حين كان "إبراهيم" يسد طريق "تفيده" كي لا تتدخل بأي شئ.. سبّ "ربيع" سبابًا مقظعًا بألفاظ نابية كي يحلّه "عيسى" ، ولكنه كان مُكبلًا إياه بتحكم شديد حتى التقطت مسامعهِ صوت سيارة "يونس" وهي تنصرف من أسفل العقار، فـ دفعهُ دفعة أسقطتهُ ليرتطم بالجدار.. ولم يتفوه بكلمة وهو يخطو نحو الباب ليغادر بعد أن انصرف "يونس".. استغرق "ربيع" لحظات حتى استطاع تجاوز هذا الألم الذي ضرب ظهره بينما انحنت عليه والدته لترى ما أصابه :
- قوم ياضنايا ، غدروا بينا زي ما اتغدر بـ اختي زمان
فـ انفعل "ربيع" وهو يصيح :
- قولتلك منجيش هنا لوحدنا، دول عالم ولاد ×××××
أخيرًا جلس "إبراهيم" بعدما اطمئن على انصراف "ملك" وعدم تقبلها لحقيقة وجود خالتها.. نظر إليهم نظرات خاوية منها الحياة، كان يتنفس بصعوبة حتى وهو جالس، رفعت "تفيده" بصرها نحوه تزجره بعدوانية و :
- بكرة ربنا ياخدك ويريحنا، مش هتعيش ليها كتير ياابراهيم.. وانا اللي هبقالها
فـ هز رأسه نافيًا صحة ما تقول و :
- مش انتي اللي بقيالها، ولاد عمها هما اللي باقيين
ثم نظر بـ اتجاه "ربيع" كأنه يشير لضعفهِ وقلة حيلته و :
- يونس هو اللي باقي لبنتي ياتفيده
أشار للباب و :
- أخرجوا من بيتي مش عايز اشوف حد منكم تاني هنا
نهض "ربيع"، بصق على الأرض ثم أردف :
- هنشوف ياعم إبراهيم، بكرة نشوف
ثم أشتر لوالدته و :
- يلا ياما، يلا أنا غلطان إني سمعتلك وجينا نكلم بالحسنى، دول كفرة مينفعش معاهم غير البلطجة وانا عارف هعمل معاهم إيه
ترك "ربيع" الباب مفتوح من خلفهم وما زال يتحدث ويغمغم بكلمات منزعجة ومزعجة طوال طريق هبوطه.. بينما نظر "إبراهيم" للأعلى، كأنه ينظر إلى الله وهو يناجيه :
- بنتي أمانة عندك يارب، أنت الوحيد اللي عارف اللي حصل.. أنا راجل متحملتش أشوف مراتي في حضن راجل غريب وأخدت حقي وشرفي منها، حتى لو كنت غلطت متحاسبش ملك على غلطتي يارب
واسترخى على المقعد وهو يتضرع بشكل مطول، فلا تعلم نفسٍ متى توفي أجلها.. وهو لا يعلم متى ستنتهي رحلتهُ في الحياة.
.............................................................................
- إبن الحــرام! لـهف الربع مليون وبرضو عمل اللي في راسه
قالها "يزيد" متذمرًا بعدما أبلغه "يونس" مختصر ما حدث صباح اليوم، فـ نفخ "يونس" منزعجًا و :
- الفلوس مش حل، لو كان الحل فيها كنت أديته من الأول.. ده ناوي على نية تانية
ثم حدج "يزيد" بنظرات مُبهمة و :
- وبعدين أنت تديله فلوس ليه؟؟.. عايز تسكته ليه يايزيد؟
ترك "يزيد" كوب الشاي وهو ينظر للعامة من حوله كأنه يتهرب من سؤاله، فـ أعاد" يونس" سؤاله بصيغة أخرى :
- لسه مش عايز تقول مخبيين إيه عني؟
- عمي هيقولك، هو قالي الصبح إنه هيعرفك بنفسه
ارتفع حاجبيه مذهولًا و :
- يعني أتكلمتوا مع بعض كمان !
تنهد "يزيد" وهو ينظر لشقيقهِ و :
- متغلبش نفسك في التفكير، بكرة تعرف
طرق "يونس" على الطاولة بأصابعه وسأل :
- عمي قتلها؟؟
فـ أخفض "يزيد" نظره و :
- معرفش حاجه
فـ انفعل "يونس" من جديد و :
- ما تكلم يايزيد! هي فزورة ؟؟.. أنا سايبها مع نينة وخديجة حالتها زي الزفت بسبب المتاهات دي، بقى السؤال الوحيد اللي في دماغها أمها فين ولو مشيت مشيت ليه ولو ماتت فين قبرها !؟
فـ تشنجت عضلات وجه "يزيد" وقد تذكر الأثم الذي ارتكبتهُ "منار" قبل أن يقتلها "إبراهيم" بدمٍ بارد.. وتأجج داخلهِ وهو يقول بنبرة خافتة ولكنها محتقنة :
- الأحسن ليها متعرفش فين قبر أمها بدل ما تعرف حقيقة الـمجرمة أمها
رمش "يونس" رمشتين وهو ينظر لوجه شقيقهِ الذي تحول في ثوانٍ لكتلة من الغضب، قرأ الكثير في نظراتهِ الحاقدة الممتعضة.. وظل متجهم الوجه يفكر بألف تخمين، ماذا فعلت "منار" ليقول عنها "يزيد" ذلك؟؟.
............................................................................
استند "ربيع" على عربة "الميكروباص" الخاصة بأحد أصدقائهِ المقربين.. سحب آخر نفس من سيجارتهِ وألقاها ثم دعسها بقدمه وهو يردف :
- خلاص مفيش حل تاني، هننفذ اللي اتفقنا عليه
نظر إليه صديقيهِ بتردد، ثم قال أحدهم :
- الحكاية دي خطيرة ياربيع، الراجل اللي انا قطرته "راقبته" كان حاجه فخمة وشكله واصل، لو لقانا ولا وصلك انت مش هيرحم حد فينا.. الناس دي معندهاش ياما ارحميني
فـ انفعل "ربيع" وهو يقول :
- وانا برضو مش شوية ياناصر، ومش هسيب لحمي كده.. مش كفاية إنها مطلقة والعين عليها كمان الـ ×××× أبوها سايبها تعيش مع راجل غريب ويقولي إبن عمها !.. أنا وامي أولى بيها ياعم
وتابع بلهجة طامعة ونظرات متلهفة :
- البت حتة قشطة، ملبن.. تتساب كده لوحدها ومع واحد عازب ليه؟؟
نظر "ربيع" للفراغ وتابع منتويًا على عمل خطير لم يدرك بعد ما هي متتبعاتهِ :
- بكرة لما تعيش معانا وتتعود على أمي هتنسى حتى أبوها اللي في حكم الميتين
وكأنه ختم على الحُكم الذي أقرّه ليكون هو المصير الذي حددهُ بنفسه لها، لتعيش هي فيه بدون أدنى إرادة.. حرفيًا اعتبـرها دُمــــيـــــة...!.
تعليقات
إرسال تعليق