رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثاني عشر 112 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثاني عشر 112 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثاني عشر 112 بقلم ياسمين عادل
من حفر حُفرة لأخيه؛ وقع فيها."
________________________________________
بعينان گالقناصة، شمل مائدة الطعام الغنيّة بأشهى الأصناف، وكلما تدحرجت نظراتهِ إلى صحن السلطة الخضراء ينتابهُ شعور مُلح بالرغبة في الضحك الهيستيري، لا سيما حينما يتخيل كيف سيكون وقع المفاجأة عليها. حمحم "يزيد" مبتعدًا عن المائدة لئلا يلفت النظر نحوه، لحين تجمع الجميع وبدأت خديجة تضع الأطباق الفارغة أمام كل مقعد. جلس "يزيد" قبالتها مباشرة، لكي يرى بنفسه تعابير وجهها مع أول تذوق للطعام الحار، بجواره "كاريمان"، بينما يترأس "يونس" المائدة وعلى يمينه زوجته المصون. وضعت "ملك" كمية لا بأس بها من السلطة الخضراء في صحن "يونس"، ثم قدمته إليه قائلة :
- السلطة بتاعتك يايونس.
تحفزت عينا "يزيد"، ونظر نحو شقيقه وهو يقترح عليه :
- بلاش سلطة، أبدأ بالشوربة زيي ، إحنا طول عمرنا بنبدأ بالشوربة.
فـ ابتسمت "ملك" وهي تُعلن تغيير تلك العادة :
- دلوقتي يونس بيبدأ بالسلطة زيي.
فـ نظر "يزيد" نحو صحنها ليجدها ستبدأ هي أيضًا بتناول السلطة الخضراء، كبح اعتراضه في نفسهِ ونظر في صحنهِ بإضطراب بدا ملحوظًا بعض الشئ، وانتقلت عيناه لـ "نغم" ، ليجدها تتناول من "المكرونة" خاصتها بنهمٍ، ذمّ شفتيه وبدأ يحتسي حساءهِ، ومع أول ملعقة تناولها اشتعل فمهِ بحرارةٍ شديدة، تضرجت بشرتهِ بحُمرة متأثرة بالطعم الحار، ورفع بصره نحو "يونس" الذي لم يبدو عليه أي تعابير توحي بإنه تناول طعامًا حارًا. تنحنح "يزيد" وهو يرتشف جرعة ماء بارد ، ثم سأل بجدية :
- السلطة حلوة يايونس؟.
أومأ "يونس" برأسه وهو يمضغ الطعام، وما أن فرغ حتى هتف بـ :
- آه حلوة، هحطلك منها.
وبدأ يضع له كمية في صحن فارغ، وناوله إياه، فـ تذوقهُ "يزيد" بتلهفٍ، فلم يجد به أثر لطعم حار. رفع بصره نحو "نغم" التي لم تكترث به نهائيًا، وسألها :
- انتي اللي عاملة السلطة يانغم؟؟.
فـ ناوبت "ملك" الرد عنها :
- لأ أنا.
وابتسمت بمكرٍ عابث وهي تغمز له بنصف عين، بينما أردفت "نغم" قائلة :
- اللي عملتها ملك أكلتها، فـ عملت بدالها.
—عودة بالوقت للسابق—
راقبتهُ "ملك" خلسة دون أن يشعر، فوجدته يُفسد طبق السلطة الخضراء بوضع كمية كبيرة من (الصوص الحار). اتسعت عيناها عن آخرها في ذهول، وراحت تبتعد على الفور كي لا يشعر بوجودها. ما أن رأته يخرج، حتى هرعت للداخل وتفحصت كل الطعام، ثم ألقت بالسلطة كلها في حقيبة بلاستيكية ثم إلى القمامة، وبدأت تصنع غيرها في الحال، وبعدما تأكدت من إستقرار الأوضاع فيما يخص الطعام؛ أضافت (الصوص الحار) للحساء الخاص بـ "يزيد"، كي يكون له نصيبًا من تذوق هذا الطُعم، ويمتنع عن نصب الفخاخ المؤذية تلك.
—عودة للوقت الحالي—
إستأنفت "ملك" تناول طعامها، وابتسمت إنذاك بإبتسامة ذات مغزى، حينما سألت بمراوغةٍ :
- والشوربة عجبتك يا يزيد؟.
تفهم على الفور ما وراء سؤالها، فـ أجاب بعنادٍ صريح :
- جدًا.
فـ أضافت "نغم" بنبرةٍ متلاعبة، جعلتهُ يُوقن إنها على علم أيضًا بصنيع صديقتها :
- بالهنا والشفا.
تابع "يزيد" تناولها بإجبار نفسه لإنهائها، كابحًا شعور يدفعه لأن ينهض ويترك المائدة كلها لأصلاح ذلك الألم الحارق في جوفهِ وصدره، وأتمّ الأمر كما ينبغي أن يكون، متظاهرًا بفتور شديد، يناقض تمامًا ما يجول بنفسهِ.
***************************************
أنهى زجاجة المياة الثانية على التوالي، وما زال جوفهِ عطشًا كأنه لم يرتشف الماء قطّ، مسح على جبهتهِ الساخنة مستشعرًا حرارة جسدهِ المفرطة، ثم غادر المنزل كله كي يذهب بـ "نغم" نحو بيتها. جلس خلف المقود، وفتح مُكيف هواء السيارة على آخره، زفر بشئ من الإنفعال حينما كانت "نغم" تسأله ببراءةٍ مصطنعة :
- إنت كويس ياحبيبي؟.
فـ التفت يرميها بنظرةٍ عدائية، ثم عاد ينظر أمامه قائلًا :
- أوي ، أنا كويس أوي أوي.
تحكمت بصعوبة في تقاسيم وجهها كي لا يظهر عليه رغبتها بالضحك :
- مش باين!.
فسألها بثعبانية مراوغة :
- بتسألي ليه؟.. هو في حاجه حصلت؟.
- لأ خالص.
أجابت دون النظر نحوه، هربًا من عيناه التي تفضح أمرها في الحال، فـ تلوت شفتيهِ بنزق، وتمتم بخفوتٍ لم تسمعه :
- أصبري عليا لما أفوقلك بس.. هظبطك صح.
وبدأت السيارة تمضي في طريقها نحو البوابة.
حينئذٍ كان "يونس" ينظر إليهم من خلال النافذة، وما أن غادروا دخل، مسح على شعرهِ وهو يتناول منشفة زوجتهِ الكبيرة، ثم سار نحو دورة المياة ببطء لئلا تشعر به. كان على دراية بإنها تستحم لإزالة ذلك الوهن عن جسدها الخامل بفعل الحمل، فـ استأثر بالفرصة ولم يسمح لنفسه بتفويتها. فتح الباب ودخل رويدًا رويدًا، فـ لمح ظلها العاري من خلف الستار الشفاف، صعدت إبتسامة ماكرة على ثغره، فـ ترك المنشفة على المشجب وبدأ في نزع ثيابهِ دون أن يُشعرها، وتسلل بهدوءٍ حتى وصل إليها، وعلى حين غُرة كان يضمها لصدرهِ العاري أسفل المياه المتدفقة عليهم من الأعلى. شهقت "ملك" مذعورة من هول المفاجأة، وسرعان ما تداركت أمر نفسها وهي تتنفس بتسارعٍ قائلة :
- خضيتني يايونس!.
أحس بحرارتها المرتفعة بين ذراعيه، مما أجج شبقهِ ورغبته فيها أكثر، وراح يهمس بصوتٍ يُلين أعصابها قليلًا :
- وحشتيني.
فـ ابتسمت والخجل متمكنًا من جسدها المرتجف، وهمست بـ :
- لحقت!.. أنا سيبتك من دقايق بس.
شفتاه ألتصقت بأذنها، لتدب قشعريرة عاطفية بأوصالها وهي تستمع إليه :
- إنتي بتوحشيني وانتي معايا ياملاكي.
وكأنه لأول مرة يتلمسها، تنتفض وترتجف شاعرة بأقل لمسة منه، وتأثيره يطغى على كافة حواسها المخدرة. گاللحظة الأولى في لقائهم، عظيمة، مبهرة، وخاطفة للأنفاس، يستطيع أن يضمها لعالمه بسهولة.
جسدها ينسجم مع حركات يديه المحترفة معها، وكل عواطفها تنساق خلف مشاعرٍ تلتهب في حضوره، لم يكفي الماء لإطفاء نيران جسديهما، بل كان گالمادة سريعة الإشتعال التي تُزيد من رغبتهم وتُأججها.
******************************************
توقفت سيارتهِ بذلك الممر الشعبي الضيق، أثناء إنهاءهِ لزجاجة مياة باردة أخرى. نفخ بضيق بعدما أوقف المحرك، ثم هتف بـ :
- متنسيش تصحي بدري عشان ورانا إجتماع مهم الصبح.
بدأت تقلق حيالهِ، خاصة ما شرب تلك الكمية الكبيرة من الماء، والتي تبدو - ظاهريًا - عدم إيفاءها بالغرض. ذمّت "نغم" على شفتيها شاعرة بالأسف، وسألته بجدية :
- إنت كويس بجد؟؟.. ما تيجي نروح مستشفى أحسن.
فرفض رفضًا قاطعًا :
- مش محتاج، حالًا هاخد حاجه للحموضة وكله تمام.. يلا إنزلي عشان أتأخرتي.
ختم عبارته وهو ينظر لساعة اليد، فـ سحبت حقيبتها دون تعقب ، بعدما أحست بالذنب نحوه. ترجلت عن السيارة ووقفت تنتظر إنصرافه، لكنه أشار إليها كي تذهب أولًا :
- أمشي إنتي.
مضت في طريقها بغير إنتباه، وهي تلوم نفسها على التمادي معه في المزاح مما أدى به لهذه الحالة، حينها كانت عيناه تصاحبها حتى تصل بسلام لمنزلها، ولم يرتح داخله إلا وهو يتعقب أثرها من مسافة بعيدة ليتمكن من الإطمئنان عليها. من حسن حظها إنه فعل ذلك، وإلا كانت فريسة سهلة الآن لأحد المتطاولين المدمنين. رأى بعينه ذلك الشاب - الغير منضبط - وهو يتطلع إليها بأعينٍ زائغة، وهبطت نظراته حتى لأكثر الأماكن قُدسية وحساسية، ألقى عُقب سيجارته بالأرض، وسار خلفها وهو يتمتم بكلمات متغزلة فيها، فـ أسرعت "نغم" بخطواتها - شبه الراكضة - فرارًا منه، حينها لم يشعر "يزيد" سوى بالحمم التي تقافزت في صدره، وقد ضاعف ذلك حرارة جسدهِ أيضًا، أحس بقوةٍ غريبة تجتاحه، كأن الأدرينالين قد تدفق في دمائهِ فجأة، وتضاعفت رغبته في تهشيم وجه ذلك الحثالة وتلقينه درس حياتهِ. ركض نحوه حتى وصل إليه، وعلى حين غرة كان يقبض على ثيابه ويجتذبهُ منها بـ بربرية متهجمة، وهو يصرخ فيه :
- هـ ××××××.. رايح فين ياض!.
انكمشت "نغم" خلف العمود وبدنها كله يرتجف مرتعدًا، بينما احتد الموقف بين "يزيد" وبين ذلك الأرعن الذي كافح ليتخلص منه. ضرب "يزيد" أنفهِ وصدغهِ بقوةٍ، حينما كان ذلك اللعين يستعين بـ سكين (مطوة) مدسوسة في جيبه وهو يرميه بسبابٍه النابية :
- أنا برضه اللي ××××× يا ××××.. أنا هوريك آ ××××××.
صرخت "نغم" مستغيثة بأي أحد للتدخل بينهما، خاصة مع رؤيتها لذلك السلاح الأبيض الحاد في يد عديم الشرف ذلك، منتويًا إصابة "يزيد" إصابة جـادة تأديبـًا لـه...
تعليقات
إرسال تعليق