رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وعشرة 110 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وعشرة 110 بقلم ياسمين عادل |
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وعشرة 110 بقلم ياسمين عادل
"أراك قد أصبحت عاشقًا، يرنو إليه القمر ويتعلمُ"
_________________________________________
تطلع بعينانٍ متحمستان للأشياء المعروضة خلف العارضة الزجاجية، وقد راق له أكثر من شئ. اختطفتهُ "نغم" من أوّج تركيزه وهي تسأل بفضول - رغم إستنتاجها - :
- جينا هنا ليه يا يزيد؟.
فـ التفتت رأسه نحوها مجيبًا بنبرة غلفتها الحماسة :
- هنجيب هدية لـ يحيى باشا.
أمسك بيدها واجتذبها نحو الداخل متابعًا :
- حاجه كده تليق بأبن يونس الجبالي.
شدتّ "نغم" على كفه وقد إمتلأ جوفها بالسعادة، ودعمت فكرته بشدة :
- شكلك هتحبه أوي.
فأيّد قولها :
- طبعًا، مش إبن الغالي.
سار معها بين أروقة المتجر الضخم، والمتخصص في بيع كل ما يخص الأطفال وحديثي الولادة بصفة خاصة، وتفحص بعينه كل شئ ليتمكن من إنتقاء هدية قيّمة، حتى وقعت عينه على ذلك الفراش الجذاب، توقف أمانه هنيهه، وقبل أن يعبر عن شديد إعجابه به كانت "نغم" تردف بـ :
- حـلو أوي يا يزيد.
فـ انبعجت شفتيه بحبور، وقد قرر الحصول عليه :
- هو فعلًا حلو ، خلاص هناخده.
ونظر نحوها قائلًا :
- بس في حاجه.
قطبت جبينها تسأل :
- إيه؟.
بدا جاد للغاية وهو يهتف قائلًا :
- انتي اللي هتقدميه لملك.
فأعربت عن رفضها الشديد لذلك :
- لأ، إنت.
فـ تعنتّ هو الآخر، رافضًا وبشدة تقديم أي هدية لها :
- هي كلمة واحدة، انتي اللي هتقدميه يعني انتي اللي هتقدميه.
****************************************
كانت في حالة من البهجة لا مثيل لها، وهي ترى نصب عينيها أول هدية تأتي لطفلها القادم. تحسست بيديها نعومة الفراش الذي تبطن بالقطن الناعم اللين، واكتسى بالستان الرقيق الزهري، وداعبت الألعاب البلاستيكية المتعددة التي تعلقت به، وبعينان إلتمعتا من فرط السعادة رنت إليه، وبدا صوتها متأثرًا ببعض الحشرجة وهي تردف بـ :
- إنت فاجئتني يا يزيد، مش عارفه أشكرك إزاي.
أجبر ثغره على الإبتسامة، وبدون أن ينظر نحوها هتف بـ :
- على إيه يابنت عمي، ده برضو إبن أخويا.. يعني أنا أبوه التاني.
- أكيد.
وأخفضت نظراتها المتحرجة عنه، مستشعرة الضيق من نفسها بعد مواجهتهم الأخيرة :
- أنا عايزة أعتذرلك عن اللي قولته آخر مرة، بس أنا كنت مضغوطة جدًا و...
طرد "يزيد" زفيرًا قصيرًا من جوفه، وقطع عليها طريق الإعتذار قائلًا :
- عارف ومقدر، إنتي كمان مكنش ليكي ذنب في حاجه.
وبصعوبة شديدة ، عاند نفسه ورغبته، وأجبر حاله على الإعتراف والإعتذار منها :
- أنا اللي آسف، آسف على كل حاجه.
انفرجت شفتيها بإبتسامة سعيدة، ومدّت له يدها كي تصافحه، وتبدأ بالسلام معه :
- خلاص كل حاجه راحت لحالها.
لم يترك "يونس" مراقبتهم إلا بعد أن اطمئن على وضعهم المُبشر والمستقر، سكن داخله وخمدت حيرتهِ قليلًا، والتفت ينظر نحو "نغم" :
- شكرًا على مساعدتك يانغم.
- على إيه يا يونس ، كان لازم ييجي يوم والدم يحن ويتصافوا.. خلينا ننزل وهما لما يخلصوا يحصلونا.
عاتب نفسه كثيرًا، بل وأصاب الندم نفسه على الإعتراف بتلك الحقيقة المخذلة، لكن "ملك" أصرّت وبشدة، أن تتعرف على كواليس تلك الليلة المشؤومة، كي تقتل في عقلها كل ما تبقى من ذرات الشفقة على تلك المجرمة الخائنة. لم يرتح لها بالًا ولا يسكن لها جفنًا إلا وقد توصلت لكل شئ، لكنها لم ترتاح، بل أن النيران تسعرتّ في صدرها، وتأجحت الكراهية بداخلها، رغم كونها برعت في إخفاء ذلك، لتقول بتزييفٍ شديد :
- أنا مش مضايقة ، بس كان لازم أعرف إيه اللي حصل يومها، عشان عقلي يرتاح وقلبي يهدا.
فسألها "يزيد" متشككًا :
- وارتاحتي؟.
تلك البسمة الكاذبة ارتسمت على محياها، وأجابت على الفور :
- ارتحت.
تحسست موضع إصابتها التي توخزها من حينٍ لآخر، وتقلصت تعابيرها بعض الشئ، فـ ارتاب "يزيد" وهو يسألها متوجسًا :
- انتي كويسة؟؟.. أخدتي علاجك؟.
هزت رأسها بالسلب، وأجابت :
- لأ، ممكن تناديلي يونس من فضلك؟.
نظر من حوله شاعرًا بقلة الحيلة، وسألها بقلقٍ بدأ يتسرب إليه :
- طب قوليلي هو فين وأنا أجيبلك.
فكان جوابها مفاجئًا له بعض الشئ :
- يونس هو علاجي، أول ما يكون جمبي هبقى كويسة.
حدق فيها لثوانٍ يستوعب جوابها، فسألته بإسترابة :
- انت سامعني يا يزيد؟.
فـ تحرك نحو الباب ليفتحه :
- آه آه ، حالًا.
خرج، بينما كتمت هي آهه موجوعة، مقتنعة بإنها تشفي جروحها بنفسها، هذا هو الطريق الأسهل والأيسر لتتجاوز محنتها، سيجعلها الألم أقوى مما كانت عليه، وستجابه كل معوقاتها النفسية بأقرب وقت، كي تستقبل نصف روحها استقبالًا يليق به، وتبدأ معه عهدها الجديد.
*******************************************
كادت تصفعه، بتلك الوحشية الشرسة التي تملكتها الآن، بعدما صارحها باللعبة التي أتقنها، كي تعيش في عذابٍ وحرمان، كما تركته هو معذبًا طوال ثلاث سنوات ماضية. وقبل أن تصل أصابعها لصدغهِ، كان يمسك بمعصمها مسكة قوية، استصعبت تخليص نفسها منها، وهتف "عيسى" بصياحٍ غاضب :
- زعلانة أوي!! مضايقة! ؟ مش طيقاني!؟.. أمال أنا أعمل إيه؟ أنا اللي عيشت كل ده ٣ سنين بحالهم، ولولا الصدفة أنا كان زماني لسه معرفش طريقكم.
أفلت يدها بعد محاولات عديدة منها، وصرخت في وجهه والدموع تنفرط من عينيها گحبات الرمان :
- أنت معندكش قلب، إزاي تعمل معايا كده.. إزاي تبعد إبني عن حضني كل المدة دي!؟.
استنكر سؤالها الساذج، وهو يرمقها بحزمٍ قاسي :
- زي ماانتي معندكيش قلب بالظبط.
تماكلت أنفاسها المضطربة ، ومسحت على وجهها الغارق في الدموع، لتسأل بعدها :
- إبني فين ياعيسى؟.
ما زال يريد تشتيتها، والمماطلة المؤلمة عليها، لذا سار بهدوءٍ يثير الأعصاب نحو الأريكة، وجلس أعلاها وهو يجيب :
- إبني في حضني، قضينا سوا أجمل أجازة ممكن يعيشها في حياته.
لم تتحمل تلاعبه بأعصابها التالفة، وراحت تصيح وهي تدنو منه :
- بقولك إبني فـين أنطق بسرعة.
- بعد ما تسمعي شروطي.
اتسعت عيناها بإستغراب، وخفتت نبرتها قليلًا :
- إنت بتساومني على إبني؟.
شبك "عيسى" أصابعه سويًا، وما زال محافظًا على تلك الوتيرة الهادئة :
- حاجه زي كده، أقعدي وإسمعي.. ده لو عايزة فعلًا ترجعي تشوفي الولد مرة تانية.
لم يكن بمقدورها فعل أي شئ سوى الرضوخ له، ومسايرته حتى تصل لمبتغاها، وترى طفلها من جديد.
******************************************
منذ الصباح الباكر، لم يكفّ هاتفهِ عن إستقبال المكالمات الواردة، والتي غالب عليها طابع العمل، رغم كونه صباح يوم الجمعة. ترك "يزيد" قهوتهِ جانبًا وهو يتحدث بالهاتف، وكل تركيزهِ منصب على العمل :
- خلاص ياسيف حدد معاد تاني وأنا بنفسي هقابلهم، التفاوض ده هيكون في صالح الطرفين.
تأففت "نغم" بضجر شديد، وهي تنظر بضيقٍ نحو المسبح. ظنت إنها ستقضي عُطلة جيدة مريحة معه، وسط "ملك" و "يونس" والجدة أيضًا، حتى إنها فكرّت في إعداد الكثير من الأشياء ليمر يومهم بشكل لطيف، ولكنه أفسد معنوياتها وأحبطها، حتى الآن لم تحدثه عبارة واحدة حتى.
أغلق "يزيد" الهاتف ونظر نحو الأعلى، ثم تسائل :
- هو يونس هينام للضهر ولا إيه؟.
فـ تمتمت بتذمرٍ :
- أهو أحسن من المكالمات طول اليوم!.
وقبل أن تختم عبارتها كان يستقبل إتصال آخر ، جعلها تفقد آخر ما بقى من صبرها :
- مبدهاش بقى.
نهضت عن مكانها وتقدمت منه، وإذ به يشعر فجأة بهطول الماء البارد على رأسه. رفع بصره فجأة وقد شهق متفاجئًا، ليجدها قد أفرغت زجاجة مياة كاملة على رأسه، وأغرقت وجهه وثيابه. أبعد الهاتف عنه ونظر لحاله وهو ينهض واقفًا، والماء يتناثر من رأسه ووجهه، ثم نظر نحوها مشتطًا وهو يزأر بـ :
- دي دماغك لسعت على الآخر بقى.
فصاحت به :
- مش قولتلي هنقضي الأجازة مع ملك ويونس ونينة!! فين الأجازة دي!!.. ده انت كلمت سيف أكتر ما اتكلمت معايا.
بدأ يقترب منها رويدًا رويدًا وعلى وجهه تعابير إنتقامية واضحة :
- بقى هي كده يعني!.
وكلما اقترب كلما ابتعدت، حتى إنه كان يقودها - بدون شعورٍ منها - نحو المسبح :
- انتي شايفة الميا هي الحل يعني!؟.
- آه.
بدون آن يفكر لوهله، كان يقذف بها إلى المسبح لتقع بداخل المياه، صعدت رأسها بعد ثوانٍ وهي تتناول أنفاسها بصعوبة، وزجرتهُ بنظراتٍ حانقة وهي تردف بـ :
- إيه رأيك بقى مش هقضي اليوم معاك!. وهطلع أمشي حالًا دلوقتي.. يابـارد.
ضحك "يزيد" عليها :
- متزعليش ياروحي، ده انا بهزر زي ماانتي بتهزري كده.. الله!.
وما أن التفت حتى وجد "كاريمان" خلفه مباشرةً، أخفض بصره عنها، وكاد يبرر الموقف إليها :
- نينة آ....
فقاطعتهُ بحزمٍ :
- نط في الميا يا يزيد.
حدقت عيناه وهو يرنو إليها، راجيًا ألا تنصفها عليه :
- إنتي مش فاهمة يانينة.
فلم تدع له الفرصة للتوضيح، وأصرتّ عليه لتنفيذ ما أمرته به :
- قولتلك أنزل وراها.
التفت "يزيد" ينظر نحوها، فإذ بنظرات النصر والسعادة يتجليّان من عينيها، فرفض رفضًا قاطعًا، أن يوليها تلك الفرصة لتشمت فيه :
- لأ، مش هيحصل.
دفعتهُ "كاريمان" بعصاها ، دفعة مفاجئة قوية، جعلت توازنهِ يختلّ ويهبط به إلى المسبح، لتستقبله المياه في أحضانها، إنتقامًا من حيلتهِ المخادعة.
تعليقات
إرسال تعليق