رواية لأجلك أحيا الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم أميرة مدحت |
رواية لأجلك أحيا الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم أميرة مدحت
كانت مستقلية بجسد مرتجف وأنفاسًا لاهثة، أغمضت عيناها بتعب وهي تشعر أنها بداخل كابوس، على رغم من محاولة "أصهب" أن يخرجها منه إلى حلم جميل وردي، ولكن في تلك اللحظة مشاعر متناقضة تمامًا تجتاحها، ما بين ذلك الكابوس يحاول أن يعود إليها ومن حلمها الوردي الذي يحاربه بكل قوتـه الممكنة.
أحتضنها "أصهب" بقوة بين ذراعيه، يمرر يده بحنان فوق ظهرها محاولاً تهدئتهـا، وهو يسألها بعينين قلقتين:
-أنتِ كويسة يا حبيبتي؟؟..
أومأت له برأسها وهي تدفن رأسهـا أكثر وأكثـر بـ عنقه، سحب نفسًا حادًا قبل أن يرفع يدهـا إليهِ مُقبلاً إياه برقة، أخذ يهمس لهـا بعدة كلماتٍ بسيطة.. صغيرة محاولاً إبعاد عقلهـا عن ذلك الكابوس الذي تحيــاه، وأن يدخلهـا إلى عالمهما الوردي، أنحنى برأسه يُقبّل رأسها المدفون بعنقه عدة قُبلات متتالية وهو يهمس لهـا بخفوت:
-أنا جمبك يا تيجان، متستلميش، حاربي الكابوس بقوتك وأنا هساعدك، بس حـاربي.
شعر بـ جسدها يستكين بين ذراعيه وأنفاسهـا تتثاقل، تنهد بإرتياح ما أن أدرك أنها غاصت بداخل نوم عميق من شدة وهنها، جذب الغطاء فوق جسدهمـا وهو يشدد من أحتضانه لها أكثر، ثم دفن رأسه بـ عنقهـا مغمغمًا بصوتٍ أجشّ.. دافئ:
-ومعكِ أشعر بأن عاطفتي بحرًا لا يهدأ، أنتِ فقط.
أغمض عينيهِ وعلى شفتيه بسمة صغيرة، فهي بين أحضانه أخيرًا بعد عذاب طويل، ولكن كل ما يشغله في تلك اللحظة أنه يجب أن تعلم ما يحمله لهـا في قلبه.
فهو الآن لأجلهـا يحيــا..
يعلم أنها تشعر بالكثير من القلق، وهو يُريد أن يمضي عمره وهو يطمئنهـا، فهي الحيـاة له، والأمان لعمرهِ.
*****
بعد مرور أكثر من يومين، في تلك الفترة لم تفعل أي شيء سوى الجلوس بمفردهـا كي تشرد عن ما مضى مُنذ وفـاة والدهـا، هو أعطاهـا كل شيء، حبـه.. حنانه.. وكان سندهـا دائمًا في الحيـاة، تتذكر جيدًا حينما كانت تقع كانت يده تمتد إليهـا كي يجعلهـا تقف من جديد، وضعت يدهـا على قلبهـا الخافق بألم محاولة أن تتنفس بطبيعية، فهي تحطمت تمامًا، ثقتهــا أهتزت بقوة أمام نفسهـا قبل الجميع..
تذكرت الآن حينما أخبرهـا والدهـا ذات مرة بفخر وهو يمسح على شعرهـا بحنوٍ مثير:
-سميتك تيجان لأنك تاج أبوكِ، و كل شخص هيعرفك هيحبك، ويوم ما تتجوزي وتبقي فـ بيتك، جوزك هيعتبرك تاجه، إللي من غيره يبقى ولا حاجة.
إبتسمت تلقائيًا وهي تتذكر ردهـا حينما قالت بقوة:
-عُمري ما هلاقي حد يحبني زيك أبدًا يا بابا، وأعتقد في التوقيت ده صعب ألاقي إللي يعتبرني تاجـه.
حرك رأسه بالسلب وهو يُجيبهـا بهدوء:
-الدنيا لسه بخير يا تيجان، وأنتِ قلبك طيب، هتتجوزي واحد يراعي ربنا فيكِ ويبقى أهم حاجة عنده راحتك، وبكرا تقولي بابا قال.
أقتربت منه قبل تحتضنه وهي تقول بعبوس:
-بردو مش هلاقي حد يحبني زيك.
هبطت دمعة حـارة على وجنتهـا بعد أنا عادت إلى واقعهـا ثم همست ببطءٍ حـارق:
-بـ.. بابـا.
أغمضت عيناهــا وهي تهمس بتلك الكلمة مرة أُخرى بألم، شهقت وهي تضع يدها على صدرهـا ما أن شعره بـ إبهامـه تلتقط دمعتها الحارة من على وجنتهـا، وجملتـه التي أخترقت أذنيهـا بدفئ:
-تفتكري ضعفك ده لو أستمريتي فيه، في حاجة هتتحل؟؟!!.. أو على الأقل هتعدي من المرحلة دي؟!..
فتحت عينيهـا وهي تنظر إليه هامسة بإختناق:
-غصب عني، بس أنا هتجنن، طالمًا أنا مش بنتـه، إزاي كان بيعاملني بالحب ده كله، و وافي أنا عمري ما شكيت للحظة واحدة أنه مش أخويا، لكن أمي وثاقب معاملتهم كانت صعبة أوي، ومع ذلك مشكتش، ألف سؤال وسؤال عاوزة أسأله، بس مفيش إجابات.
ألتمعت عيناهـا بوميض مؤلم وهي تهمس له بوجع:
-أنـا قـ.. قلبي واجعني أوي يا أصهب، حاسة أن من كتر الوجع هيجرالي حاجة.
جذب رأسهـا بهدوء إلى صدره يضمهـا بحنوٍ، قَبّل رأسهـا بنعومة وهو يمسد على خصلات شعرهــا بهدوء، هامسًا بصوتٍ عميق:
-بعد الشر عليكي، نامي يا تيجان، نامي ومتفكريش فحاجة، سيبي كل أمورك على ربنا وعليا.
أخفض رأسه حتى يتطلع على وجههـا وهو يسألهـا برفق:
-تمام؟؟..
ردت عليه بصوتٍ ضعيف:
-تمام.
إبتسم بعذوبة وهو يقول:
-شاطرة.
أرجع رأسه للخلف مُغمضًا عينيه، ورأسه يشتعل بالكثير من الأفكـار التي تتعلق بهــا، وعن والده ووالدتـه، تنهد من أعمق أعماق صدره وهو يهمس بداخله:
-لازم أشوف حل.
*****
بعد مرور عدة ساعات، فتحت "تيجان" عيناهـا بتثاقل شديد وهي تحرك رأسهـا محاولة يمينًا ويسارًا لتجد ذاتهـا نائمة في فراشهـا، عقدت ما بين حاجبيهـا بإستغراب وهي تضع يدهـا على جبينهـا بتعب، فـ آخر شيء تتذكره هو أنها ما أن وضعت رأسهـا على صدر "أصهب" حتى لم تشعر بعدهـا بأي شيء، وكأنها وجدت الراحة في أحضانه.
تنهدت بحرارة قبل أن تهبط من على الفراش، وقد تسللت إلى أنفها رائحة طهي شهية، حتى قبل أن تفتح باب الغرفة وتخرج بخطوات مترددة، سمعت جلبة ناجمة عن أدوات الطبخ، وصوت المقلاة كان واضحًا أيضًا ، وفي هذه اللحظة معدتهـا زئير الجوع، عندما تغلغلت تلك الرائحة المفضلة إليهـا.
سارت متبعة عبق الطعام حتى أوصلهـا عنده، إبتسامة صغيرة شقت شفتيهـا وهي تراه يعمل أمام الموقد بحرفية، شعر بوجودهـا فـ إبتسم تلقائيًا وهو يلتفت إليهــا برأسه، سمعهـا تقول بذهول:
-إنت بتعمل كوسة بالباشميل؟!..
هز "أصهب" كتفيه وهو يجيبهــا بهدوء:
-لما لاقيتك مطولة فالنوم قلت أسلي نفسي شوية، وأهي حركة جدعنة مني أنك تاكلي من إيديا، لأني نادرًا بطبخ.
أقتربت منــه هامسة ببهجة:
-تعرف أني بحب الأكلة دي أوي.
ترك ما بيده وهو يلتفت بجسده إليهـا هاتفًا بجدية:
-بقولك إيه يا تيجان، إيه رأيك لو نروح القصر نعيش فيه بدل هنا.
أضطربت قليلاً وهي تسأله بإرتباك:
-طب ليه؟؟..
تنهد "أصهب" وهو يرد بجدية:
-عشان مش هينفع أفضل سايب القرية لوحدهم كدا، لازم يلاقوا إللي يحكمهم، وبعدين والدي ووالدتي من أول يوم جوازنـا طلبوا مني أننا نقعد معاهم، بس لولا إللي حصل بقى، فإيه رأيك؟؟..
صمتت "تيجان" وهي تحدق بداخل عينيه قبل أن تجيبه وهي ترفع يديهـا الصغيرة إلى صدره القوي:
-معنديش مانع، بس أرجوك تخليك الفترة إللي جاية دي معايا لغاية ما أتعود عليهم.
بدأت أنفاسه بالأضطراب وهو يشعر بإرتفاع درجة حرارة جسده، دست جسدهـا بأحضانه وقد أرتفعت يديهـا الصغيرة تحيط عنقه، لم يشعر بشيء آخر بعدهـا فور أن وضع شفتيه القاسية أعلى تلك الشفاه الناعمة يلتهمها بعنف أدهشه هو نفسه، ولكن معهـا كل شئ يختلف.
سكنت تمامًا بأحضانه تُزيد من أحتضان عنقه ويديها قد بدأت تعبث بخصلاته بحركات لطيفة ما زادته إلا شغفًا بـ لحظاتهـا معه.
بدأ عقله بالإفاقة من ثورة مشاعره ما أن تذكر الطعام، فـ أبتعد عنهـا عن الفور بأنفاس لاهثة، مسح على شعره بقوة وهو ينظر حوله قبل أن يهدر بصوتٍ قوي:
-أطلعي يا تيجان من المطبخ فورًا.
أومأت برأسهـا وهي تغالب تلك الإبتسامة الشقية مغادرة من المكان، وقف أمام الموقد مرة أخرى وهو يتابع الطعام بإهتمام، ولكن إبتسامة صغيرة قد أحتلت شفتيـه.
*****
بعد مرور ثلاثة أيام، لم تخرج من غرفتهـا إلا قليلاً برفقة "أصهب" فقط، نظرت حولهـا نظراتٍ شمولية وهي تشعر بالغربة بذلك المكان خاصةً حينما يغادر "أصهب" من القصر لعدة ساعات حتى يُتابع ما يحدث بالقرية أول بـ أول، تخشى كثيرًا أن يعلم أحدهم في القصر بـ أصلهـا الحقيقي، حتمًا سُتعيش في جحيم إن علمت والدتـه، فهي تكرهـا منذ أول يوم رأتهـا فيه.
أنتفضت من مكانهـا وهي تستمع إلى طرقات على باب غرفتهـا، فـ أرتدت حجابهـا سريعًا وهي تنهض من مكانهـا، فتحت الباب لتجد أحدى الخادمات تقول لهـا بإحترام:
-تيجان هانم، والدة الكينج عوزاكي ضروري.
عقدت ما بين حاجبيهـا وهي تسأل نفسهـا بقلق:
-اللهم ما أجعله خير.
تعليقات
إرسال تعليق